كيري الطموح.. هل ينجح حيث فشل الآخرون؟

بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي

في فترة ولاية ريتشارد نيكسون الاولى في البيت الابيض تم تصريف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في قناتين مستقلتين متعاكستين. الأولى صيغت بالهام من مستشار الامن القومي، هنري كيسنجر، اعتمدت على الطموح إلى تجميد الوضع الراهن والامتناع عن أي مبادرة دبلوماسية من أجل إقرار أو تسوية الصراع الإسرائيلي العربي، وذلك في ضوء اعتقاد كيسنجر انه في الظروف السياسية والاستراتيجية التي نشأت إثر حرب الايام الستة فان كل مسيرة سياسية قد تخدم مصالح الاتحاد السوفييتي الذي أعطى تأييداً مطلقاً لمواقف عربية غير مصالحة (في فترة حكم رئيس مصر جمال عبد الناصر) على حساب المكانة الاقليمية للولايات المتحدة وعلى حساب اسرائيل.

اعتمدت القناة الثانية، التي صيغت وطُبقت في الآن نفسه باشراف من وزير الخارجية وليام روجرز، على تصور مختلف تمام الاختلاف. فحسب وجهة النظر هذه كان من الضروري والممكن الدفع بمسيرة التسوية في الأمد القريب، ولم يدخر روجرز جهدا لدفع مصر والاردن وإسرائيل الى مسار تحادث. ومن المفارقة ان كيسنجر كان هو الذي عمل بلا كلل على إفشال مبادرات وزير الخارجية التي تهاوت سريعاً في هاوية النسيان ما عدا هدنة حرب الاستنزاف.

حتى لو كان من السابق لأوانه الآن ان نتحدث عن تماثل كامل بين عصر نيكسون البعيد وبدء فترة ولاية براك اوباما الثانية، فعندنا انطباع ان كيري مثل روجرز حقا يتصرف في الفضاء الاسرائيلي- الفلسطيني بصميم وعن التزام عميق لا يعبر بالضرورة عن جميع ترتيب الأولويات والأفضليات الحالية لرئيسه. ففي حين لا يُرى اوباما، الذي خرج مع ندوب من تدخله الزائد في هذا المجال في بدء ايامه في البيت الابيض، متحمساً تحمساً خاصاً لبذل موارد عزيزة في هذه الساحة خاصة تختلف الامور فيما يتعلق بتفكير وزير الخارجية. وبرغم ان طائفة كبيرة من القضايا السياسية الملحة المثقلة ما زالت مجتمعة على طاولته (التهديد الذي تلوح تباشيره من كوريا الشمالية ليس سوى حلقة وحيدة منها)، يتابع كيري التمسك بتصوره الأصلي، وهو ان دبلوماسية وساطة حثيثة ومكثفة قد تفضي الى تمهيد طريق في الصعيد الاسرائيلي- الفلسطيني. وذلك بعد ان تنتج خطة أميركية جديدة بدعم عربي عام واسع (في مركزه السعودية والاردن) تعرض الخطوط الهيكلية لتسوية بعض القضايا المختلف فيها بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

صحيح أن هذه الخطة ستكون أقل طموحا وأقل شمولا من خطط التسوية الاولى التي صاغها روجرز في بدء عمله في الساحة المصرية والاردنية، لكن يُسأل الآن سؤال هل تعبر مستوياتها المختلفة عن مسارات التعلم واستخلاص الدروس التي استخلصتها الادارة الأميركية إثر اخفاق مبادرتها الأصلية؟ تذكرون ان هذه المبادرة قد انهارت وكان من اسباب ذلك عدم استعداد السعودية للمبادرة الى خطوات ما تبني الثقة مع اسرائيل رغم تجميد الاستيطان. وليس من المؤكد الآن ان هذا الثقل قد زال في الظروف الجغرافية الاستراتيجية الحالية. وليس واضحا ايضا هل سيوافق رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، على تغيير مواقفه من الشروط المسبقة لدخول التفاوض، وينبغي ألا نتجاهل حقيقة ان مصر الحالية لم تعد لاعبة مركزية ورائدة في المنطقة يفترض ان تصاحب مسار التسوية وتدعمه.

والخلاصة ان طموح وزير الخارجية الأميركي المتقد الى النجاح في المكان الذي فشل فيه كثيرون من أسلافه وان يترك أثرا على فترة اوباما بارز منذ اليوم الذي تولى فيه عمله. ومع ذلك وكما كان الامر في السنين 1969 – 1973، ليس واضحا ان جميع فروع وأذرع الدبلوماسية والاستراتيجية الأميركية تعمل اليوم على أساس جدول زمني متماثل تماما، وليس من المؤكد وجود تنسيق كامل بينها – لا في مستوى تحديد الأهداف فقط بل في المستوى التكتيكي لاحتمالات تحقيقها بالفعل. وسيُثبت المستقبل فقط هل يكون مصير اجراءات كيري مختلفا عن مصير مبادرات روجرز التي خرجت الى هواء العالم في صوت قوي لكن تُركت في صوت خافت ضعيف.