بيريس: "أنا محب للاستطلاع كالولد حتى في سن التسعين"

بقلم: يارون لندن ودانييلا لندن – ديكل
شخص شيخ يسكن المنزل وحده. وهو محاط بعائلة من المساعدات المخلصات اللاتي يحفظنه مثل عمل فني نادر هش. فهو رمز. وما الذي يرمز اليه؟ إن كل انسان يصب فيه مضمونه الخاص. وأنا أكتفي بمعرفة أن جموع الناس يحبونه لأنه يغمرهم بالحب. فهذا جوهر عمله وهذه المهمة يؤديها الانسان شمعون بيريس بنجاح كبير وما عدا ذلك أقل أهمية.
حينما عرض ترشحه منافسا لموشيه قصاب علمت أنه يفوق خصمه في جميع صفاته لكنني اعتقدت وكتبت أن سيرة حياة قصاب قد تسهم في المصالحة بين العلمانيين والمحافظين وبين الاشكنازيين والشرقيين وبين طبقة النبلاء القديمة وأولاد الآتين من المساكن المؤقتة ومدن التطوير، وحينما عرض نفسه للانتخاب مرة ثانية كتبت مقالة قاسية وعصبية طلبت فيها منه ان يبتعد عن الحياة العامة وقلت حسبك. فقد حان الوقت ليسكن منزل الرئيس انسان شاب سريع الخطوات مربوط بالانترنت والشبكات الاجتماعية ويتحدث لغة عبرية طرية نقية من الاستعمالات الفصيحة. ولم يحاسبني الرئيس على ذلك للطفه وأدبه.
ويبدو أنني اخطأت لأن مزاياه تغلب على نقائصه. أما العالم فيحترمه احتراما أكبر من الاحترام للدولة الاشكالية التي يمثلها، وأما المواطنون فقد نسوا صورته باعتباره أكبر المتآمرين السياسيين وكأنه لم يخطيء قط بسياسة مسفة.
وقد زرته مع الرسامة دانييلا لندن – ديكل التي أعرفها جيدا. وكان ذلك في التاسعة ونصف في الصباح في قاعة في مقدمتها طاولة قهوة صغيرة وعلى جدرانها صور لا ذوق فيها وعلى طولها مقاعد كما في بيت واحد من أعيان العرب. وانتبهت الى أن الرئيس تكمش منذ رأيته آخر مرة وضعف صوته لكنه جلس مدة ساعتين ونصف الساعة لا أقل من ذلك منتصبا في كرسيه في حين اضطررت أنا وأنا أصغر منه بـ 17 سنة الى أن أمط بين الفينة والاخرى جسمي الذي انزلق نحو البلاط.
لندن: ستكون هذه مقابلة مع رسوم يا سيدي الرئيس.
بيريس (الى دانييلا): "هل ترسمين ايضا؟"
دانييلا: هذا ما أفعله في الأساس. وسألتقط صورا من آن لآخر اذا أذنت.
بيريس: "ماذا نفعل؟ سنتحمل هذا. هل تكتبين وترسمين ايضا؟".
دانييلا: كنت سنوات كثيرة رسامة كاريكاتور سياسية وقد رسمتك مرات كثيرة.
بيريس: "يا ويلاه".
لندن: هل استيقظت كعادتك في الثالثة والنصف أو في الرابعة؟
بيريس: "اجل. أنظر توجد اشياء كثيرة علي أن أفعلها، والذي يوجب علي عملا دؤوبا على نحو خاص هو كتابة خطب. فأنا أحرص على التفصيلات وهذا يستهلك وقتا طويلا. وقد كتبت في الـ 24 ساعة الاخيرة ثلاث خطب وكان ذلك مثل قطع بحر القلزم. وكتبت بعد ذلك مقدمة لكتاب أصدره ومقالة لصحيفة "نيويورك تايمز". هذه حالي كل صباح من الرابعة الى السابعة".
لندن: لم يكن ذلك قبل أن أديت الخمسين تمرين رياضة الجيش الكندي؟
بيريس: "لم أعد أفعل هذا فأنا الآن أخطو ربع ساعة على جهاز عدو في السابعة بالضبط وأعود للعمل بعد ذلك".
لندن: وحينما تستيقظ قبيل الفجر هل يكون هذا المكان خاليا من الناس؟
بيريس: "أنا أسكن الشقة وحدي".
لندن: هذا مخيف كثيرا.
بيريس: "قد يكون مخيفا شيئا ما لكنه نافع ايضا لأنه يوجد هدوء تام ولا يشوش علي أحد".
لندن: هل ننتقل الى السياسة؟ هل فاجأتك نتائج الانتخابات الاخيرة؟
بيريس: "اجل. فقد دخلت قوى جديدة لم أعرفها ولم أقدر مبلغ تصميمها ولم أستطع أن أخمن كيف سيرد الجمهور. خذ مثلا حالة يئير لبيد الذي أعطته استطلاعات الرأي ذات مرة تسعة نواب وفي مرة اخرى 19 نائبا".
لندن: ما الذي حدث في المجتمع الاسرائيلي وأفضى الى الزعزعة السياسية؟ أربما كانت العلامات قد لاحت ولم تلاحظها؟
بيريس: "علت قوى جديدة لأنها ظهرت مشكلات جديدة. حينما كنا شبابا كانت البلاد جائعة لكن لم يكن فيها جياع لأننا تقاسمنا القليل الذي كان موجودا وأصبح يوجد فجأة 900 ألف ولد جائع في بلد غني جدا. إن اتساع الفرق ظاهرة عالمية مخيفة. وهذه أول مرة في تاريخ الدولة تغلب فيها المسألة الاجتماعية المسألة الأمنية".
لندن: وهل تظن أن هذه هي المشكلة المركزية؟
بيريس: "انها مهمة جدا لكن مسألة السلام والأمن ما زالت في المركز".
لندن: إن أفقر وسطين هما الحريديون والعرب الذين يبلغون نحوا من ثلث السكان. فلو أنك حذفت من المعطيات الاحصائية هذين الوسطين لوجدت ان المجتمع الاسرائيلي وفيه ما يسمى على لسان لبيد الطبقة الوسطى ليس فقيرا كثيرا. إن الحزبين اللذين نجحا في الانتخابات مهتمان بانتاجية الحريديين أما أنت فضممت الحريديين الى جميع الحكومات التي شاركت فيها وذهبت لتكريم قادتهم الحاخامين ولم تربط المشكلة الاقتصادية بالحريدية وفعل لبيد وبينيت هذا.
بيريس: "اجل، وأثار هذا حماسة الناخبين الشباب. عرف يئير وشيلي وبينيت كيف يحدثونهم بلغتهم لكن توجد اشياء أعمق فقد تغيرت الخريطة السياسية لأن العالم تغير. وتحدث ثورة عالمية تلاحظ علاماتها عندنا ايضا، وخسرت الحكومات القومية من قوتها لأن الاقتصاد العالمي سلبها السيطرة على الاقتصاد الوطني وسلبها الارهاب السيطرة على الأمن القومي. لا يوجد خطر حقيقي من غزو الجيوش ولا يحتاج الارهابيون الى جيوش كبيرة. ويؤثر قلة ممن لا ضمير لهم في مصير العالم. ونشأ الى جانب الدولة الحاكمة ادارة موازية هي ادارة الشركات العولمية الضخمة ولها ميزة عظيمة لأنها لا تحكم بالقوة بل بقوة الآذان. فهي تصغي الى المستهلكين وتسرع الى اجابة رغباتهم وهي لا تحتاج الى جيش والى شرطة والى بيروقراطية ولهذا تنال أرباحا عظيمة".
لندن: لم أفهم هل تتحدث عنها في حقد أو في تسليم أو في حماسة؟
بيريس: "لقد فعلت عدة امور مدهشة. فأنت مثلا لا تستطيع ان تكون عولميا وعنصريا وقوميا ايضا، ولا تستطيع ان تكون عولميا من غير ان تجل الانسان الفرد الذي بقي هو نفسه برغم كل شيء. والاقتصاد العولمي مرغم على الاصغاء اليه".
لندن: هل أنت مخلص لتصورك أن الاقتصاد في عصرنا أهم من الايديولوجيا؟
بيريس: "ما تقوله تبسيطي".
لندن: أستطيع أن أطيل. لقد صككت مصطلح "شرق اوسط جديد" يتصل بالتصور المادي في أساسه. وافترضت أننا اذا بنينا تعاونا اقتصاديا وثيقا بين الدول في الشرق الاوسط فسنرفع مستوى عيش السكان ونتوصل الى هدوء لكن الدين والشعور القومي قد انتصرا.
بيريس: "أرى الامر بصورة مختلفة. أعتقد أننا لو قبلنا اتفاق لندن الذي صغته مع المرحوم الملك حسين لأنشأنا شرق اوسط جديدا. وقد حظينا برغم اضاعة الفرصة تلك بميزة عظيمة لأن الطموح الى السلام منح اسرائيل منزلة بين الشعوب ولم يتم تصويرنا على أننا قوة احتلال فقط".
لندن: لا ينقض هذا زعمي ان الافكار الأصولية قد هزمت الشهوة للنمو في العالم العربي والاسلامي على الأقل.
بيريس: "صحيح أن التاريخ عندهم يمشي على عكاز لا على رجلين، وربما ما اعتقدت انه سيستغرق خمس سنوات سيستغرق عشرين سنة. فليكن ذلك. ان الشرق الاوسط الآن عاصف لكن الاحزاب التي تولت الحكم غير قادرة على الحكم فلا أجوبة عندها عن اسئلة الجيل الشاب الذي حياته صعبة وهو ثائر. إن المشكلة هي أن ثورتهم تتم بلا يد موجهة لكن هذا سيحدث ايضا لأنه ليس عند من تولى الحكم أجوبة. إن احتياطي مصر يكفي لشهر ونصف فماذا سيحدث بعد ذلك؟"