تنسيق وثيق في الطريق الى طهران

بقلم: عاموس هرئيل
كان يصعب ألا ننتبه أمس الى الخيط الذي يربط بين المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع الاسرائيلي ونظيره الأمريكي في الصباح وبين خطة رئيس هيئة الاركان في المساء، في المؤتمر السنوي لمعهد بحوث الامن القومي في جامعة تل ابيب. فقد أوحى بوغي يعلون وضيفه تشاك هيغل مثل بني غانتس تماما برسالة واحدة وهي أنه بسبب الواقع الاقليمي غير المستقر أصبحت اسرائيل أكثر احتياجا مما كانت من قبل الى تعاون استراتيجي مع دول صديقة ومع الولايات المتحدة قبلها جميعا، لكنها تحتاج ايضا الى نظام أحلاف أقل إلزاما مع دول جارة بل مع تركيا بعد اجراء المصالحة التي بادر إليها الامريكيون.
يتضمن هذا الاستنتاج الذي قيل صراحة ايضا رأيا آخر يقول ان المساعدة الامنية والسياسية التي أخذت تكبر من الولايات المتحدة ستوجب على القدس ايضا تنسيقا كاملا مع واشنطن في أشد القضايا حساسية ألا وهي علاج التهديد الذري الايراني على نحو قد يُقيد مقدار استقلال اسرائيل في هذا المجال. وذلك برغم الضريبة الكلامية التي دفعها هيغل مثل الرئيس براك اوباما قبله في الشهر الماضي عن حق اسرائيل في ان تعمل بصورة مستقلة لحماية أمنها.
بذل هيغل الذي كان مسار الموافقة على تعيينه في مجلس النواب الامريكي مشحونا بالعوائق قبل نحو من شهرين بسبب موقفه البارد والانتقادي احيانا من اسرائيل، كي يُبين لمستضيفيه أن هجمات الجمهوريين عليه لم يكن لها أساس. وقد يكون هذا ايضا أحد اسباب تأجيل اعلان صفقة السلاح الجديدة التي تم الاتفاق على أكثر تفصيلاتها في أواخر ولاية وزير الدفاع السابق اهود باراك الى ان يأتي هيغل في أول زيارة لاسرائيل في اطار عمله الجديد. وسُربت التفصيلات الى وسائل الاعلام الامريكية قُبيل الزيارة وأعلن هيغل أمس عن الصفقة بصورة رسمية في التصريح المشترك للصحافة مع يعلون في قاعة ‘همفوئه’ الشاحبة في وزارة الدفاع في تل ابيب.
بُذل في أول لقاء بين بوغي وتشاك جهد كبير لاظهار جبهة مشتركة تواجه ايران، والتهديد بسبب انتقاض سوريا والزعزعة العربية على نحو عام. واذا قالوا في الغرف المغلقة في جهاز الامن إن طائفة الهدايا من العم الامريكي لا تعبر بالضرورة عما يُحتاج اليه الآن حقا (طائرات التزويد بالوقود نعم لكن الطائرة المروحية الباهظة الكلفة الاحتياج اليها أقل)، فان هذا كلام لن يُقال علنا. وهم في الجيش عالمون برمزية الحقيقة التي أكدها هيغل أمس وهي ان اسرائيل ستكون أول دولة من خارج الولايات المتحدة ستحصل على الطائرة المروحية من طراز ‘في 22′. وستصل الطائرة الاولى من هذا الطراز الى البلاد في نهاية السنة الحالية في الطريق الى انشاء وحدة طيران فيها 8 طائرات.
إن التوجه الاسرائيلي الأساسي حينما يكون الحديث عن هذه التفضلات يتبنى مثلا روسيا قديما يقول إننا لا نفحص أسنان حصان نتلقاه هدية. وهذا صحيح ايضا حينما يكون من الواضح أن للهدية الامريكية سياقين أوسع وهما تعويض اسرائيل عن صفقات السلاح الكبيرة المخطط لها بصورة موازية مع السعودية والامارات العربية (مع افتراض ان الهدية تُسكت انتقادا اسرائيليا محتملا) وتوقع ان تضائل المساعدة الشهوة الاسرائيلية لعملية مستقلة على ايران. إن هيغل الذي لم يتحدث عن ذلك مباشرة بالطبع، أكد ان الادارة الامريكية لا تلتزم فقط بالحفاظ على تفوق الجيش الاسرائيلي النوعي على الجيوش الاخرى في المنطقة بل تلتزم بزيادته سعة ايضا.
في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر في جامعة تل ابيب قال رئيس المعهد اللواء (احتياط) عاموس يادلين انه سعيد لعدم تسرب شيء من المحادثة المغلقة بين الرئيس اوباما ورئيس الوزراء نتنياهو قبل شهر. ويبدو ان هذه المحادثة هي في مركز الواقع الاستراتيجي الجديد. يصعب ان نعلم ما الذي تم الاتفاق عليه بين الاثنين لكن نشأ بالتدريج انطباع ان الولايات المتحدة واسرائيل أكثر تلاؤما زمنيا في السياق الايراني لوقت ما على الأقل. ويبدو ان ولاية حكومة نتنياهو الثالثة بدأت بتفهم أوضح في القدس لحدود القوة. ولن تكون مفاجأة كبيرة اذا تبين بعد ذلك انه برغم التهديدات الدائمة بالهجوم فان اوباما ونتنياهو قد اتفقا على مضاءلة الاشتغال بهجوم اسرائيلي مستقل حتى نهاية السنة القريبة.
ويبدو التنسيق الأوثق ايضا في المتابعة المشتركة للسلاح الكيميائي في سوريا فقد هدد يعلون أمس بصراحة بضرب محاولات نقل هذا السلاح الى منظمات متطرفة وفي المصالحة الاسرائيلية التركية ايضا التي عبر فيها غانتس أمس عن تأييد معلن. وفي خطبة رئيس هيئة الاركان الاستراتيجية الطويلة في المؤتمر برز آخر الكلام إذ أولى غانتس التعاون الدولي باعتباره لبنة اخرى في التصور الامني الاسرائيلي أهمية كبيرة الى جانب الانذار والردع والحسم التي قررها دافيد بن غوريون والأساس الدفاعي الذي أُضيف الى ذلك بصورة غير رسمية في السنوات الاخيرة. وهذا التنسيق في نظر رئيس هيئة الاركان يجب ان يتم في جميع المجالات ‘من مكافحة الارهاب الى السايبر، ومن الاستخبارات الى نشر السلاح’ وهذه اشارة ثخينة اخرى الى تعزيز التنسيق بشأن ايران.