أزمة العمل الوطني-جميل هلال-الجزء الثاني

مقدمة
الحديث عن أزمة العمل الوطني الفلسطيني ليس جديداً، وليست جديدة محاولات الاجابة على الأسئلة التي تطرحها الأزمة ومعالجتها. لكن كل المحاولات للوصول الى حلول لأزمة العمل الوطني قد باءت بالفشل على مدى تاريخ تجربة العمل الوطني الفلسطيني.

من الطبيعي في تجربة بتداخلات وتعقيدات الوضع الفلسطيني وانتشاره وتنقل مركزه وثقله الرئيسي من جغرافيا سياسية الى أخرى، ان يكون هناك خلاف في تشخيص هذه الأزمة. حيث تختلف الفصائل في تشخيص هذه الأزمة وسبل الخروج منها، كما يختلف الباحثون في تشخص أسباب الأزمة وعمقها وآليات الخروج منها.

نحن في «زمن برس» نسعى لفتح ملف أو ملفات أزمة العمل الوطني، محاولة لتشخيص الأزمة في اللحظة الراهنة، ومحاولة معرفة وجهات نظر القوى الفاعلة في ساحة العمل السياسي الفلسطيني، ومساهمات المثقفين في التشخيص والبحث عن حلول. لعل العمل على فتح هذا الملف وطرحه للنقاش يفتح نافذة للوصول الى اقتراحات قد تساهم في الخروج من الأزمة لفتح آفاق جديدة أمام العمل الوطني الفلسطيني. ويتشرف الموقع بنشر المساهمات في الموضوع، سواء كانت مساهمات من قوى سياسية، أو شخصيات عامة، أو كتاب ومثقفين، أو أي من يعتقد أن لديه ما يقوله في هذا الملف الشائك. كما نستقبل الردود والمناقشات للمساهمات المنشورة.

ونورد لكم الجزء الثاني وهو مشاركة الكاتب جميل هلال.

 

إلى الأخوة المشرفين على موقع زمن برس   (www.zamnpress.comإليكم الإجابة على  بعض الأسئلة التي طرحتموها بخصوص ملف «أزمة العمل الوطني الفلسطيني» . سأتولى الإجابة على السؤالين التاليين إجابة واحدة بحكم ترابطهما:

1ـ هل تعتقد أن أزمة العمل الوطني أزمة في البرامج أو بالأهداف أو بالأدوات أو أنها أزمة بنيوية ملازمة للعمل الوطني الفلسطيني؟

2ـ هل تعتقد أن أزمة العمل الوطني أزمة أفول لبعض القوى الفلسطينية التي انتهى دورها التاريخي وصعود لقوى أخرى، أم أن الأزمة شاملة لكل طيف القوى الفلسطينية؟

أرى أن أزمة العمل الوطني الفلسطيني الراهنة هي أزمة قيادة للاعتبارات والحيثيات التالية: في البداية  ينبغي موضعة المأزق الراهن في سياقه التاريخي وفي سياق خصوصية الشرط الفلسطيني بتشابكه \ مع الأوضاع والتحولات الإقليمية والدولية.  هذه الموضعة تكشف  بوضوح عن تسارع انكشاف (تهميش)  مقومات الحركة الوطنية الفلسطينية منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي وحتى اللحظة.

 أبرز مظاهر هذا الانكشاف يمكن تحديدها تحت العناوين التالية:

1.       فقدان القيادة السياسية الشرعية بالنسبة لغالبية الجمهور الفلسطيني؛  ويبرز ذلك من خلال:

أولا؛ فقدان الشرعية الثورية مع التحول من ثورة إلى سلطة تسعى لإقامة دولة على جزء من فلسطين؛

 ثانيا؛  فقدان الشرعية الانتخابية (صندوق الاقتراع) بعد الانقسام الذي تلا الانتخابات التشريعية الثانية (2006)، وعدم تجددها منذ ذلك الحين.

ثالثا؛ استثناء اتفاق أوسلو لتجمعات واسعة من الشعب الفلسطيني ( الشتات والمخيمات وفلسطيني 1948) من المشاركة في الحياة السياسية الفلسطينية.

رابعا؛ الانقسام الجغرافي-السياسي المؤسساتي بين الضفة والقطاع وما قد يترتب عليه إن تواصل من نجاح إسرائيل في تحقيق فصل كامل ودائم للقطاع عن الضفة الغربية بعد تحويل هذه إلى بانتوستانات تحت سيطرتها الكاملة.

 لقد عاب الحركة السياسية الفلسطينية  منذ  بداية العقد الأخير تغييب المؤسسات الوطنية الجامعة وتحديدا  مؤسسات منظمة التحرير ممثلة بالمجلس الوطني وتقصد عدم تجديدها وإعادة بنائها بما يستجيب للحاجات الوطنية للشعب الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية وخارجها.

2.   فشل القيادة السياسية في انجاز البرنامج الوطني المقر من المجلس الوطني لمنظمة التحرير أو ما عرف ببرنامج الدولة المستقلة والعودة وتقرير المصير. وتقصيرها في تفسير أسباب هذا الفشل وترددها في طرح إستراتيجية وطنية جديدة قادرة على حشد موافقة اجماعية أو شبه اجماعية من قبل مكونات الشعب الفلسطيني المختلفة.

لقد طرحت بعض القيادات إستراتيجية ركزت على  بناء مؤسسات للدولة تحت الاحتلال، والتوجه لمجلس الأمن ثم للأمم المتحدة لحصول فلسطين على عضوية دولة على حدود العام 1967، لكن هذه الإستراتيجية (إن صح اعتبارها كذلك) فشلت في وقف الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وفي التصدي لنظام الفصل ألعنصري وفي توفير الحماية لأبناء المخيمات الفلسطينية في الخارج أو للجاليات المهاجرة للعمل.

ولم تطرح نخب المعارضة برنامجا بديلا  ولا إستراتيجية وطنية شاملة جديدة  في مواجهة هذه الاستراتيجية بل اكتفت بطرح شعار المقاومة المسلحة، ثم تبني شعار المقاومة الشعبية، دون  تفصيل ذلك وتحوله إلى إستراتيجية وطنية تشرك فئات الشعب الفلسطيني بكامل مكوناته.

لم يتم تبيان إمكانيات وكيفية بناء دولة مستقلة تحت احتلال استيطاني استعماري مدعوم من قوى إمبريالية.  واكتفت فئة من القياد بالتركيز على تطوير مؤسسات السلطة باعتبارها أداة بناء الدولة دون مشاركة شعبية  من  أبناء الضفة وغزة، وبدون توقع أو انتظار دور من  فلسطيني 48 ومن جماهير الشتات واللجوء.

 تجاهلت قيادة التنظيمين الأكبر الحاجة الملحة لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير والاتحادات الشعبية والأطر النقابية العابرة للتجمعات الفلسطينية.  وبات هم كل منهما رعاية وتكريس سلطة تنظيمه على الإقليم الذي يسيطر عليه.  

3.    عدم التصدي من قيادة المعارضة لعملية استبدال منظمة التحرير بالسلطة ألفلسطينية واستمرار المراهنة على حل الدولتين كإستراتيجية وحيدة  رغم تراكم المؤشرات والدلائل والقرائن  بأن إسرائيل تقوم على أرض الواقع بتعطيل ذلك. ورغم اتضاح أن السلطة الفلسطينية ومؤسساتها (حتى إن توحدت) ليست بالأداة القادرة على توليد دولة مستقلة (عاصمتها القدس) دون التفريط بحق العودة.  ورغم وضوح أن استمرار الانقسام (الذي يغذيه مصالح فئوية وضغوط وارتباط بقوى ومراكز إقليمية ودولية) يزيد من انكشاف الحركة السياسية الفلسطينية ومن تهميش القضية الوطنية للشعب الفلسطيني.

 

4.   تخبط القيادة السياسية في تحديد الإشكال النضالية الملائمة في مواجهة سياسة الدولة الاستعمارية الاستيطانية. فقد بقيت هذه تتراوح بين ثنائية المفاوضات والمقاومة المسلحة وكلاهما نال قسطا من التجريب دون تقريب الشعب الفلسطيني من القدرة على ممارسة حقوقه في تقرير المصير والاستقلال و العودة. هذا لا يعني تجاهل فعالية أشكال  ملموسة من حراك ضد إجراءات الاحتلال  وسياساته تقودها نخب سياسية أو مدنية. بل بات التنسيق الأمني مع الاحتلال وبناء قوات أمنية  يستخدم لضبط الحراك الشعبي (والشبابي) الفلسطيني.

 

5.    هناك لدى القيادة السياسية استسهالا لإجراء انتخابات عامة تحت الاحتلال بدون التدقيق في وظائفه والاتفاق الوطني على كيفية التعامل مع نتائجه. لذا لم يبذل جهد (من النخبة السياسية) لمناقشة الشروط الضرورية لإنجاح أن يكون للانتخابات، في الشرط الفلسطيني، وظيفة تخدم النضال الوطني. كما تم التعامل من منطلقات فئوية (وغير موضوعية) في اختيار النظام الانتخابي الأكثر تلائما مع الشرط الفلسطيني. لقد قاد هذا إلى تفاقم العوامل المنتجة للانقسام الحاد في الحركة السياسية الفلسطينية،  مما ساهم في إضعافها وفقدانها المناعة الضرورية لصد أو تحييد التدخلات الخارجية في تفاصيل الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية للسلطة (بشقيها). كما ساهم في ذلك الاعتماد على التمويل الخارجي وبقاء الاقتصاد  تحت السيطرة الإسرائيلية.

 

6.    رغم الاتفاقات المتعددة بين قيادة الطرفين المتنافسين على إنهاء الانقسام إلا أن هذه الاتفاقيات جرى القفز عنها استجابة لمصالح فئوية عند الطرفين واستجابة لضغوط واعتبارات خارجية (إقليمية ودولية).  وترابط مع هذا إحجام القيادة السياسية عن المبادرة في اتخاذ إجراءات تستهدف إعادة بناء وتجديد منظمة التحرير وتبعات ذلك على  انكشاف وتهميش الحركة الوطنية الفلسطينية وإشاعة الإحباط بين  فئات واسعة من  الشعب الفلسطيني لغياب المؤسسات الوطنية الجامعة والمخولة للاتخاذ القرار. وبقاء دور معظم الاتحادات والنقابات العمالية والمهنية في الدفاع عن مصالح وحقوق  جمهورها مغيبا وقياداتها غير تمثيلية، مقابل بروز دور المنظمات غير الحكومية  غير المعنية بتنظيم وتمثيل جمهورها.

 

7.      الاستنكاف عن إجراء  قراءة نقدية لتجربة منظمة التحرير في الشتات و تجربة الحركة الوطنية في فلسطين التاريخية ووقع التحولات (السياسية والبرنامجية والفكرية) التي شهدتها العقود الثلاثة بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في منتصف الستينيات وقبل انتقال مركز الثقل السياسي إلى  الأراضي المحتلة عام 1967،  وتأثير ظهور التيار الإسلامي بقوة  خلال الانتفاضة الأولى وتأثير تراكم العقبات أمام انجاز مشروع قيام الدولة الفلسطينية على الضفة والقطاع نتيجة السياسة الإسرائيلية المدعومة من الإدارة الأمريكية ونتيجة تراجع التأييد العربي والدولي لقضية الشعب الفلسطيني وتحديدا منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي. ويسري هذا على التحولات التي شهدها الحقل السياسي منذ اتفاق أوسلو وعلى أثر الانتفاضة ألثانية والانتخابات العامة (2005 و 2006 ).

 

8.   لم تستطع القيادة السياسية  (في الضفة أو في القطاع) وضع إستراتيجية واضحة لبناء اقتصاد يستهدف فك علاقة التبعية بالاقتصاد الإسرائيلي والتحرر من الاعتماد على المساعدات الخارجية ذات الأجندات السياسية.

 

9.    وأخيرا عدم مبادرة القيادة السياسية لتوليد آليات التواصل الممأسس بين أطراف الحركة السياسية الفلسطينية على جانبي الخط ألأخضرـ وبين هذه  وأطراف الحركة السياسية في الخارج.

حرره: 
م.م