ينتظرونه في الجولة المقبلة

بقلم: سيما كدمون

إن البحث عن صورة انتصار، كما يقول غيورا روم، هو من إرث حرب لبنان الثانية. وليس في الأمر أي انتصار. فالسؤال الوحيد الذي يقف أمامنا هو هل شركات الطيران المدني، بمساعدة حكومة إسرائيل ستنجح في التنافس في السوق. والجنرال غيورا روم هو رئيس سلطة الطيران المدني منذ أربع سنوات ونصف وهو يقول أنه في الشهور الأخيرة أجريت محادثات مكثفة مع الاتحاد الأوروبي حول الأجواء المفتوحة، لكن الشركات ظنت أن الأمر غير جدي.

وعندما حان موعد تنفيذ اتفاق الأجواء المفتوحة فوجئت شركات الطيران الإسرائيلية وتم إعلان الإضراب. وقد انتهى الإضراب بقبول وزارة المالية تغيير موقفها من النفقات الأمنية. عموما يعتقد روم أنه لو كان موقف الشركات أكثر إيجابية من الاتفاق لتم العثور مسبقا على صيغة لحل مسألة النفقات الأمنية.

لكن ما أراده رجال السياسة هو صورة انتصار عبر اتفاق الأجواء المفتوحة. والواضح أنه إثر الاتفاق تصدعت العلاقة بين وزارة المالية ورئيس الهستدروت وسيكون لذلك أثر كبير على طريقة تمرير الميزانية العامة. واللقاء الأول بين لبيد وعيني كان طيبا. فتعارف بينهما تم من قبل وعلاقتهما كانت حميمة وتحدثا في اللقاء عن الأجواء المفتوحة. عيني أبلغ لبيد أنه يؤيد الاتفاق، لكنه أشار إلى تقريرين عرضا أمام الوزراء يحذران من انهيار شركات الطيران إذا لم تتكيف مع الوضع. وقال للبيد: عندي 20 ألف مستخدم في هذه الشركات، علينا ترتيب الأمر وتمرير الاتفاق بمباركتي. وطلب من لبيد مهلة لدراسة الاتفاق.

يوم الأربعاء الفائت تبين أن الاتفاق سيعرض للتصويت في الحكومة. يوم الخميس أعلنت الهستدروت أنها ستعلن الإضراب. في المساء اتصل لبيد بعيني، وقال له أن لا اعتراض على تأجيل التصويت، لكن رئيس الحكومة هو من عليه سحب الاقتراح عن طاولة الحكومة. وتبين أن نتنياهو قال شيئا مشابها، لكنه ليس من سيسحب الاقتراح، وإنما لبيد نفسه. ونتنياهو ليس مستعدا لإزالة شوك لبيد. النتيجة أن أيا منهما لم يسحب الاقتراح. يوم الأحد تم التصويت على الاقتراح بأغلبية كبيرة.

وظهر ضعف الهستدروت وعيني. الأمر بدأ بإنذار أطلقه عيني يوم السبت، في اليوم التالي صادقت الحكومة على الاتفاق، وانتهى الإضراب بلقاء بين المدير العام لشركة «إلعال» الجنرال أليعزر شكدي وشاؤول ميريدور من المالية وعوزي اسحقي من وزارة المواصلات، وهو لقاء لم يعلم به عيني.

وعيني، الذي يستمد قوته أصلا من التوسط بين الأطراف، لم يكن هذه المرة الجهة التي أنهت النزاع. وهذا وضع لم يكن عيني يريده. وإذا كان يريد إضرابا فلن يكون ضد الأجواء المفتوحة. والجمهور الإسرائيلي فقد صبره تجاه كل ما يمس مزاجه وجيبه. وعيني يفهم أنه إذا كان لا بد من الإضراب فينبغي أن يوجه ضد التقليصات، ضد تخفيض الرواتب، ضد الضرائب. هذه مواضيع يجدر الإضراب من أجلها.

عموما خرج عيني ضعيفا ومهانا. ونزاع العمل الذي أيده انتهى محشرجا. في هذه الجولة فقد الكثير من مكانته. فهو لا يستند إلى حزب العمل، وعلاقاته مع يحيموفيتش مزعزعة، بل أنها لم تتظاهر بأنها تؤيده. وفي المقابلات خلال الأسبوع أعلنت تأييدها غير المتحفظ لاتفاقية الأجواء المفتوحة. شعر عيني بالخديعة وتصدعت ثقته بلبيد. الآن يقال عنه أنه ضعيف وأن لبيد وكاتس انتصرا. وهو يرى أنهما إذا فازا فبالشيء القليل، لكنهما سيخسران في الخطوات الكبرى. فمعظم الأزمات تحل بعلاقات الثقة بين الأطراف. وبعد الخديعة تغيرت قواعدج اللعبة عند عيني: لبيد وزير المالية وعيني رئيس الهستدروت ولكل منهما مسئولياته. والثقة التي كان لبيد قد كسبها بالمجان سيضطر لدفع الكثير من أجل استردادها.

 

ليحرق الاقتصاد

 

هناك كثيرون يعتقدون أن من يشعل النيران هو نتنياهو. ويؤمنون بأن نتنياهو يريد حرق لبيد شعبيا. وإحدى الطرق الناجعة هي دفعه للمواجهة مع الهستدروت واللجان الكبرى. ويقولون أن نتنياهو يجول مع برميل نفط ولا يهمه إذا احترق الاقتصاد. ووقف يوم الأربعاء في الكنيست يخطب عن إصلاح الموانئ. وقال أن أي إضراب لن يردعنا. ويبدو أن الإصلاح الذي سيرأسه لبيد وكاتس شجعه. وطريقة استقبال الجمهور دفعته إلى هذا الخط النضالي.

لكن لا ينبغي الارتباك: الشعور هو أن في رئاسة الحكومة خطة حرب كاملة وشاملة ضد الهستدروت. نتنياهو يتحدث صراحة عن ائتلاف لديه فرصة إصلاح عيوب الاقتصاد. هو وليبرمان وبينت يعتقدون بوجوب الصدام مع اللجان الكبرى والنقابات. وما أشد راحة من وزير مالية جديد، غير مجرب، يمكن جره من أنفه، ويمكن كسب نقاط من نجاحه، وإسقاطه إذا فشل.

ولبيد ليس طفلا. وهو يعي مهانة عيني ولا يريد التنازل عن محاورته. وبعد إبرام الاتفاق مع «إلعال» اتصل لبيد بعيني وأبلغه بما جرى. ولبيد يفهم أيضا مصلحة عيني بالشعور بالمرارة. فهما يقفان عشية مفاوضات صعبة، مؤلمة كلهم مهانون أساسا بشكل استغلالي. من ناحية أخرى لا يتجاهل لبيد رغبة نتنياهو في جره لحرب مع الهستدروت. وهو مصمم على عدم حدوث ذلك. ولبيد ينوي أن يكون الكابح ولن يسمح لنتنياهو بتقييده.

 

الخطاب والحماقة

 

وقف لبيد أمام الكنيست وتصادم جبهويا مع الحريديم. يمكن الإدعاء أن لبيد اختار لنفسه الخصم الأشد عزلة في الميدان. ويمكن الزعم بأنه أراد صرف الأنظار عن القضايا الأهم على جدول الأعمال. لكن يستحيل الاستخفاف بفعالية الخطوة.

ولا ريب في أن لبيد حدد جدول أعماله ضد الحريديم وأنهم خدموه. وهناك ميل للزعم أن لبيد جاء أصلا بأجندة معادية للحريديم، لكن حتى إذا صح ذلك، فإن مقاطعاتهم وصراخهم سمحت له بذلك. وبدلا من السكوت أثناء خطابه، رفعوا صوتهم. وبدلا من التحدث عن التقليصات، انشغلت وسائل الإعلام بما اعتبرته العرض الأفضل في المدينة. مواجهة سياسية حادة، فظة، بليغة، لم نحظ بمثلها منذ زمن طويل.

وللحظة بدا أن أعضاء الكنيست الحريديم لا يصدقون آذانهم. انعقدت ألسنتهم من فرط الذهول حينما قال لبيد ببساطة ما يظنه أكثر الناس ويودون قوله: لا تقولوا لنا ما ينبغي فعله. الدولة كفت عن تلقي الأوامر منكم.

وعندما حمل غفني، بحماقة، على استخدام لبيد الفيسبوك يوم السبت، رد عليه لبيد: لست ممن يحترمون السبت. ببساطة، بصواب وبشكل غير معهود في بيئة يراعي فيها السياسيون الحريديم بمنافقتهم. قال لبيد لغفني: أنا أفعل ما أريد، وأنت تفعل ما تريد.

هناك نظرة في أوساط الحريديم، بأنه مثل والده، يبني زعامته على كراهية الحريديم. ولكن لبيد في الحقيقة لم يرد ذلك. بل أنه قال في الماضي أن الكراهية تخلق سقفا يصعب اجتيازه. وفي حملته الانتخابية تجنب مقارعة الحريديم. وطوال حملته الانتخابية لم يقل انه لن يجلس معهم. ولكن تحالفه مع بينت جعل مستحيلا على نتنياهو أن يقيم ائتلافا من دونهما. وصار الحريديم في الخارج.

وأشارت ردود الفعل هذا الأسبوع إلى مقدار ظمأ الجمهور لمن يكون ناطقا باسمه. وما فعله لبيد أرضى الجمهور عاطفيا. وقد فهم لبيد أن الجمهور مستعد لدفع ثمن شرط أن يعاني الحريديم أكثر. وخطاب لبيد الأول في الكنيستأفلح في ملامسة عصب مكشوف. وهكذا رغم تفاصيل الميزانية التي تتبدى فيها التقليصات الحادة، لم يخسر لبيد الدعم الكبير الذي يحظى به. والسؤال: هل سيفلح لبيد في كبح نفسه وعدم تحويل هجماته على الحريديم إلى نهج دائم.

من جهة ثانية، بدلا من مهاجمة الحريديم للبيد، يجدر بهم محاسبة أنفسهم. ليس لم يخرج لبيد ضدهم وإنما لماذا يستقبل الجمهور كلامه القاسي بقبول وحماس. أين أخطأوا ونشأ ضدهم إجماع.

 

بذرة الشر

 

وفي اليوم التالي وصل لبيد مستعدا لمركز دراسات الأمن القومي. بعض الحضور وصفوا خطابه عن «المواطن العامل» بأنه خطاب برنامجي عبر عن المنطق في خطة الميزانية. ووصف عضو الكنيست السابق من كديما، يوحنان بلاسنر، وهو ليس من أنصار لبيد، الخطاب بأنه احترافي وأسر الحضور. وقال أنه جيد ن ترى تعبيرا عن السياسة الجديدة، بمعنى أن يصل وزير مالية لديه فكرة متكاملة تتصل عميقا بالتحديات التي تواجهها إسرائيل. وقد كان مذهلا جدا، بحماسته وبطريقة عرضه للأولويات والخطوات العملية وأساسا للرسالة بأمل التغيير.

وحتى الآن اجتاز لبيد العراقيل التي يجسدها المنصب. وأظهرت استطلاعات هذا الأسبوع ارتفاع شعبيته. لكن هذه هي البداية. لبيد يبدأ فهم قوته ونفوذه. والإصلاح الذي مرره مع كاتس بدعم من رئيس الحكومة أثار شهيته. ولكن ليس سرا أن الجمهور يتقبل إصلاحات ضد قطاعات مكروهة. ولكن انتظروا رؤية جدارة لبيد في اجتياز السقف الذي حدده لنفسه. إذا أفلح في فعل ما لا يصدق: أن يقلص الميزانية وأن يحتفظ بشعبيته، أن يفرض تقليصات وأن يقنع الجمهور بأن لا مفر.

وحتى اليوم لا يوجد وزراء مالية نجحوا. نتنياهو نال مجدا كوزير للمالية ولكن بأثر رجعي. شتاينتس المسكين لم ينل مجدا لا وهو موجود ولا بعد مغادرته. وإذا كان لبيد ينوي الاقتطاع من اللحم الحي والحفاظ على شعبيته فعليه اختراع نموذج جديد لوزير المالية.

إن قانون التسويات، المقرر عرضه في الأسابيع المقبلة، مكون من مئات القرارات، التي من أجل تمريرها، ثمة حاجة لقوة سياسية ولحكمة. فهذا عمل قذر، يشمل لجانا وتعداد أصوات، وكل كتلة تريد حصتها. وعندما كان نتنياهو وزيرا للمالية كانت لديه قوات فعلية ساعدته، من دون الحديث عن رئيس الحكومة الذي دعمه. وبالمقابل، نتنياهو برهن أن بوسعه تحييد وزير المالية، كما فعل في حينه مع دان ميريدور.

لبيد ليس ميريدور. لديه طموح. لديه قدرة. لديه كاريزما. وهو لا ينوي التوقف عند وزارة المالية.

السؤال الكبير هو: كل سيحتفظ بكل هذه المزايا ويجتاز بها اختبار غرائز وطموحات بنيامين وسارة نتنياهو؟

حرره: 
م.م