هل تم اجتياز خط احمر؟.. استعمال سلاح كيميائي في سوريا

بقلم: دافيد فريدمان
في المؤتمر السنوي لمعهد بحوث الامن القومي، قال رئيس قسم البحث في ‘أمان’ إن اسرائيل تملك معلومة تقول: إن قوات الاسد استعملت عدة مرات سلاحا كيميائيا مميتا من نوع السارين. وكذلك أنواعا من مواد حربية كيميائية مُثبطة لاصابة المتمردين. وأثار هذا القول أصداءً في البلاد وفي العالم لأن هذه أول مرة يثير فيها مصدر اسرائيلي رسمي رفيع المستوى هذا الزعم. وبعد يوم صادقت مصادر امريكية ايضا في أعلى مستوى على أنه توجد نتائج أولية تشير الى استعمال مواد حربية كيميائية لكن يُحتاج الى المصادقة على ذلك بصورة مطلقة.
إن الاسئلة التي تثور هي ما هو مقدار استعمال المواد الحربية الكيميائية، وما هي صورة الهجوم وهدفه، ومن استعمل السلاح وما هي الأدلة على ذلك؟ في السنة الاخيرة أُبرزت قضية منظومة السلاح الكيميائي الذي تملكه سوريا في العناوين الصحفية. تملك سوريا منظومة سلاح كيميائي على اختلاف مركباتها ومنظومة عملياتية كاملة تشتمل على قذائف جوية وصواريخ. والمادة الرئيسة في المخزون السوري هي السارين الذي ينتمي الى مجموعة مواد الاعصاب ويعتبر مادة حربية كيميائية قاتلة.
وعلى خلفية الحرب الدائرة في سوريا، أثارت جهات مختلفة سيناريوهات محتملة تتعلق باستعمال هذه المنظومة أو إعمالها. مثل استعمال قوات الاسد لها على المتمردين ونقل مركبات السلاح الى منظمات متطرفة مثل حزب الله، واطلاق على اسرائيل باعتباره خطوة يأس من الاسد وغير ذلك. وفي السنة الاخيرة أُبلغ في عدة حالات ان سوريا تنقل مركبات من المنظومة الكيميائية بين القواعد العسكرية، وتم الحديث عن استعدادات عملياتية في القواعد والدفع بالاستعداد قدما. وحثت هذه الأحداث دولا مختلفة وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا ايضا على اطلاق تحذيرات شديدة لرئيس سوريا كي لا يتجرأ على استعمال السلاح. وأعلن الرئيس اوباما ومسؤولون كبار آخرون في الادارة الامريكية ايضا بأن عمليات في المنظومة الكيميائية واستعمال هذا السلاح بالطبع سيكون ‘خطا احمر’ أو ‘عاملا يغير قواعد اللعب’ ويوجب اتخاذ وسائل. وبقي تحديد الخط الاحمر غامضا شيئا ما لأنه لم تُبين معايير واضحة لاستعمال السلاح ولم تفصل الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة ردا على ذلك. ونشرت في الاثناء أنباء تقول إن الولايات المتحدة أعدت بمشاركة دول صديقة واقليمية خططا للسيطرة العسكرية على مخزونات السلاح ولتأمينه في حالات خطيرة بل لقصفه من الجو وابادته.
ظهرت في الاشهر الاخيرة أنباء عن استعمال للسلاح أو المواد الكيميائية بالفعل. ووقعت الواقعة الأهم في 19 آذار في حلب. فقد قتل بحسب الانباء التي نشرت نحو من 25 مواطنا ووقعت اصابات اخرى ايضا. وسُمعت في سياق هذه الحادثة اتهامات متبادلة حينما ادعت ادارة الاسد ان المتمردين استعملوا السلاح الكيميائي، أما المتمردون فردوا باتهامات معاكسة.
ما الذي حدث في الحقيقة في واقعة حلب وهل استعمل السلاح الكيميائي استعمالا عملياتيا؟ يُحتاج من اجل ان نقول بيقين ونؤكد بصورة قاطعة انه استعمل هذا السلاح الى معطيات في عدة مستويات:
شهادات صادقة نزيهة ممن كانوا موجودين وقت وقوع الهجوم وبعده فورا من السابلة أو الناجين الذين كانوا هناك، تتعلق بكيفية تنفيذ الهجوم، وكيف تم نشر المادة وما هي صورتها وهل كانت لها رائحة مميزة، وما هي مساحة المنطقة المصابة، ووصف المصابين والعلامات المرضية عليهم. ونقول ان للسارين تأثيرا فتاكا سريعا جدا وتظهر العلامات في خلال دقائق ويكون الموت في غضون وقت قصير يبلغ بضع ساعات بعد التعرض للغاز، على نحو عام.
الكشف والتعرف في الوقت المناسب، بواسطة وسائل كشف وتعرف آلية أو يدوية، لنوع المادة التي تم نشرها. والمدة الزمنية لذلك قصيرة جدا (هي على نحو عام ساعات في الأكثر في حين يجري الحديث عن مادة كيميائية متطايرة من نوع السارين). وصف المصابين الذين يصلون للعلاج الطبي في العيادات والمستشفيات، والعلامات المرضية وأنواع الادوية المضادة المطلوبة. وتكون المدة بعد الهجوم اياما الى اسابيع.
تحليل مختبري لعينات من التراب والماء والاسطح بواسطة تحليل كيميائي يحتاج الى آلات محكمة وعلم وتجربة كثيرة في المجال. وحينما يكون الحديث عن مادة متطايرة من نوع السارين تكون فترة التعرف عليها بصورة مباشرة بعينات من التراب قصيرة جدا. بعد ذلك يمكن التعرف على مشتقات المادة التي تُمكن من تحقق كامل أو جزئي فقط.
تحليل سوائل جسم المصابين (الدم والبول والشعر وما أشبه). ويمكن ان يُكشف في هذه العينات مدة ساعات أو ايام أو ربما أكثر عن تغييرات في علامات بيولوجية أو عن آثار لمواد حربية كيميائية ونتائج تحلل تشهد بالتعرض للسم.
عمليات تشريح بعد الموت.
كلما تمت الفحوصات والتقدير في وقت أقرب للهجوم كان احتمال الحصول على معطيات صادقة في المجالات الستة المذكورة آنفا كلها أكبر وأمكن الحصول على تصديق وتقدير للهجوم.
من الأنباء المنشورة المكشوفة التي جاءت بها وسائل الاعلام الى الآن، يمكن ان نرى في الأساس شهادات وصفات ما من الميدان وقطع أفلام بُثت في التلفاز لمصابين يعالجون في عيادات أو مستشفيات، ولا توجد من الاوصاف الميدانية شهادات واضحة على ان الحديث عن مادة حربية كيميائية. ولا يمكن ان ننفي امكانية ان الحديث عن مواد كيميائية صناعية أو مواد سامة اخرى موجودة حول ميدان القتال. وأُثير ايضا احتمال تسميم بالكلور الصناعي، لكنه لا يبدو صادقا. وإن الافلام التي يظهر فيها مصابون يعالجون في مستشفيات لا تشهد بصورة قاطعة على اصابة بمادة كيميائية حربية كما زُعم. ومن المفاجئ كثيرا ان الناس حول المصابين يحمون أنفسهم بأقنعة للأفواه والأنوف فقط لا بأقنعة واقية كاملة وكان يمكن ان نتوقع في هذه الظروف وقوع اصابات اخرى وهو شيء لم يشاهد. وليست ظواهر ضيق حدقات الأعين والزبد من الأفواه التي يمكن ان تكون شوهدت دليلا قاطعا على استعمال السارين لأن مواد اخرى ايضا يمكنها ان تسبب ظواهر مشابهة.
نشر في الاونة الاخيرة ان مختبرات متخصصة في بريطانيا وفرنسا كشفت عن نتائج مهمة في عينات من الميدان (لم يُبلغ أي عينات وأي مواد وجدت)، تشير الى استعمال مادة حربية كيميائية يبدو أنها السارين. وقد زعم رئيس قسم البحث في ‘أمان’ في عرضه ان الجيش الاسرائيلي يملك معطيات اخرى (تزيد على ما نشر في وسائل الاعلام). وليس معلوما ما هي وهل تشير بيقين تام الى استعمال السارين. اذا كانت قوات الاسد قد استعملت سلاحا كيميائيا حقا فانه يصعب ان نفهم ماذا كان الدافع الى ذلك لأن الحديث عن هجوم كان عدد المصابين فيه قليلا نسبيا ولم يكن له معنى مباشر ما من جهة عملياتية. قد يكون الحديث عن اشارة وتحذير من الاسد للمتمردين أو ما يشبه السير على حافة الهاوية كي يفحص الرد. وكما قلنا آنفا يرى الموقف الامريكي الرسمي الآن انه توجد أدلة اولى وينبغي المصادقة عليها من اجل البت والتحقق بصورة واضحة من أنه تم استعمال مادة حربية كيميائية. ويُثار سؤال هل هذا هو موقف الامريكيين لأنه لا يوجد الى الآن من جهة تقنية من وجهة نظرهم مصادقة لا لبس فيها على استعمال مادة حربية كيميائية أو أنه تختلط هنا المصالح السياسية. إن اعترافا امريكيا بأنه تم استعمال لمادة حربية كيميائية بصورة مؤكدة سيجعل الادارة الامريكية تواجه ضرورة الرد وانها إن لم تفعل أضرت بصدق الرئيس.
ليست امكانات الرد سهلة ألبتة وهي تحتاج في جزء منها الى ‘حذاء عسكري على الارض’، وهو شيء يحاول الامريكيون تجنبه. اذا كان الحديث عن المنظومة الكيميائية فقط فقد أُعدت خطط للسيطرة بالقوة على المخازن والمستودعات. وهذه الخطة مركبة جدا وتحتاج كما يبدو الى دخول قوات كثيرة الى سوريا وفيها أخطار تورط كثيرة. والقصف من الجو والقضاء على المستودعات والمنشآت للمنظومة الكيميائية ممكن من جهة التنفيذ والتقنية وقد يصيب هذه المنظومة اصابة جدية جدا، لكن يُشك في ان تُبطل فعلها كليا. وفي القصف من الجو خطر ما على السكان المدنيين الموجودين قريبا جدا من المواقع المقصوفة.
ينبغي ان نذكر الى كل ما قلناه ان منظومة السلاح الكيميائي (والبيولوجي؟) الضخمة بناها حكام سوريا في مدة سنين وكانت تخضع لسيطرتهم بغرض ان تكون عامل توازن استراتيجي مع قدرات اسرائيل التقليدية وغير التقليدية كما تراها سوريا.
إن مستقبل سوريا بصفة دولة غير واضح ولذلك يوجد خطر ان تقع كل هذه المنظومة الضخمة أو أجزاء كبيرة منها دونما صلة بسؤال هل استعمل السلاح الكيميائي في سوريا أم لا، الى جهات متطرفة قد تحكم سوريا أو أجزاء كبيرة منها. ولذلك يحتاج المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الى اعداد خطة عامة للقضاء على المنظومة الكيميائية والبيولوجية كلها بخطة منظمة تكون جزء من ترتيب الوضع في سوريا وإلا أصبح هذا المخزون خطرا محتملا مستمرا على العالم كله ولا سيما دول المنطقة ومنها اسرائيل.