كتاب فلسطين الوجه المعكوس يصف معاناة الفلسطينيين بـ "احتلال يومي"

بقلم: محمد ولد المنى

في توصيفه للدمار والإذلال والمعاناة في حياة الفلسطينيين، ضمن كتابه «فلسطين الوجه المعكوس... احتلال يومي»، يقول سري المقدسي: «لا يوجد مكان على الأرض يتجلى فيه العنف اليومي المتأصل في الاحتلال العسكري، كما في فلسطين، حيث يهيمن على كل ناحية في الحياة اليومية لملايين الأشخاص العاديين». ويسلط المقدسي الضوء على معاناة الفلسطينيين، على الصعد الفردية والمهنية والاجتماعية والسياسية، كما يبرز الواقع الاقتصادي السيئ جرّاء سياسة الغلق والحصار، إضافة إلى العنف اليومي المتأصل في الاحتلال الإسرائيلي وغياب الأمن وفقدان أدنى مقومات الحياة... ويبين من خلال الوقائع أنه لا يوجد مكان على وجه الأرض يشهد عنفاً كالذي يقترفه الإسرائيليون في فلسطين.‏

وتظل «الميزة» الفريدة للاحتلال الإسرائيلي تغلغله الشامل في الحياة اليومية، من خلال البيروقراطية، ونظام التصاريح، وأذون المرور التي يتعين على الفلسطينيين إظهارها، فضلاً عن الشبكة الحديدية من القوانين التي يفرضها الجيش الإسرائيلي ويتوجب على الفلسطيني الامتثال لها حتى يستطيع البقاء «حياً». ثم يضيف الكتاب، أنه إلى جانب الانتظار اليومي الذي لا ينتهي، والإحساس بالعجز والشلل جرّاء الاحتلال، هناك أيضاً حس عام بالضعف وغياب الأمن ينتاب العرب جميعاً في فلسطين؛ إذ يمكن أن تُصادر أملاكهم بصورة اعتباطية، وأن تسحق مزارعهم وبساتينهم ومحالهم ومنازلهم في أي لحظة، أو تصادر أو تهدم على أيدي جنود الاحتلال، كما يمكن أن تنخفض دخولهم وفقاً لأهواء أولئك الجنود، أو تقطع كلياً، وربما تعريضهم للعنف الجسدي أو أخذهم دروعاً بشرية أثناء الغارات على المنازل، علاوة على تعرضهم للإهانات الجسدية والمعنوية اليومية على أيدي المستوطنين... حيث لا يوجد ملجأ، أو حماية أو أمل بتحقيق العدالة.

ذلك إذن ما يعنيه العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي اليومي منذ 65 عاماً، والذي يستقصي الكتاب أوجهه وما تحمله من ألم وأنين، عبر مقاربة تزاوج بين المعايشة اليومية ومنهجيات البحث الأكاديمي الرصين.

وينتقل الكتاب من إيقاع الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار والإغلاق، ليجد أن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في أواخر 2008 ومستهل 2009 كان التطور الأشد خطورة خلال السنوات الماضية الأخيرة، إذ جاء في ذروة الحصار والعزل الذين أوصلا القطاع إلى أزمة إنسانية شاملة. ولم يعرف القطاع خلال سني الاحتلال الإسرائيلي الطويلة مثيلاً لذلك القصف الذي كان أشبه بحرب شاملة ضد شعب خاضع للاحتلال ورازح تحت الحصار ومحشور في حيز هو الأكثر تكدساً بالسكان في العالم، شعب مجرد من وسائل الدفاع عن نفسه... وهي جريمة ضد الإنسانية وليست جريمة حرب فقط، بحسب المراقب الأممي لحقوق الإنسان «ريتشارد فولك». لكن ازدراء إسرائيل للقانون الدولي، يقول الكاتب، ليس بالموقف الجديد عليها، كما أن حملتها العسكرية على غزة، لم تكن إلا حلقة في سلسلة من الهجمات التي شنّتها ضد المدنيين العزل الفلسطينيين قبل وبعد قيامها عام 1948.

بيد أن العنف ضد القطاع، كما أظهرت العبارات العنصرية التي كتبها الجنود الإسرائيليون في منازل العائلات الفلسطينية في غزة، وما اقترفوه من ممارسات أخرى، لم يكن إلا تعبيراً عن انعدام المساواة بشكل منهجي ومقنن ورفْع شعب فوق مصاف شعب آخر، على نحو يشكل جزءاً من نسيج الحياة الإسرائيلية، وقد حيك على شكل قوانين ومؤسسات عامة.

وكما يوضح الكتاب، فقد سلّطت التقارير حول الهجوم على غزة الضوء على دور الحاخامية الرسمية للجيش في غرس الاستهزاء بحياة الفلسطينيين ، حيث أدت سائر هذه العوامل، فضلاً على ثقافة العنصرية المقننة، دوراً في مدى وشدة الضرر الذي ألحقته إسرائيل بغزة، وفي القرار الذي أطلق العدوان أصلاً.‏

ويعود المؤلف إلى بعض الأصول الاعتقادية وراء تلك الممارسات؛ فالشعور بأن هناك أرضاً يهودية ملأها سكان ليسوا يهوداً ينبغي التعامل معهم، كان شعوراً محركاً للتخطيط الصهيوني منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومن خلال التطهير العرقي لفلسطين بدءاً من سنة 1948 وحتى الآن. إنه شعور متغلغل في الفكر السياسي الإسرائيلي، وقد عبّر عنه نتنياهو في يونيو 2009 عندما قال إن «عدداً كبيراً من السكان الفلسطينيين يعيشون الآن في قلب وطننا اليهودي»، إذ أراد القول: نحن شعب وهم مجرد سكان! هذا الحس العنصري بالتخويل الذاتي والتفوق الفريد هو الذي يسمح لإسرائيل باحتلال أرض الفلسطينيين، وهدم منازلهم وسجن شبانهم وسحق تطلعاتهم!‏

ومما يؤكد أهمية هذا الكتاب، هو تلك المتابعة الرصينة التي يقدمها حول الأحداث والتطورات الراهنة، لاسيما من خلال الإجابة على أسئلة محورية تتناول الموقف من المفاوضات، وحل الدولة الواحدة، أو الدولتين، والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والانقسام في صفوف القيادات الفلسطينية، وغيرها من أسئلة الحاضر والمستقبل المغموسين في مرارة سني الاحتلال منذ قرار التقسيم الأممي وإقامة إسرائيل.‏

حرره: 
م.م