الفيل الفلسطيني في الغرفة الإسرائيلية !

بقلم: آري شبيط

التعبير الانجليزي هو "الفيل في الغرفة": أي الشيء الضخم الموجود في الجوار وبرغم عظم جسمه لا يتجرأ أحد على الكلام عنه وذكر اسمه. كان السود المستعبدون في فترة العبودية هم الفيل في الغرفة. وكان ذلك الجنس في العصر الفيكتوري. وكان الفيل في الغرفة في العالم الاشتراكي غريزة المنافسة الانسانية. وكان العرب في الصهيونية المبكرة هم الفيل في الغرفة. كان لكل عصر في التاريخ وكل مكان تقريبا فيل في الغرفة لم يتحدثوا عنه ولم يذكروه رغم أنه ملأ الفراغ بحضوره المهدِّد.

إن الفيل الموجود في غرفة اسرائيل اليوم هو الفيل الفلسطيني. فلم يعد الاسرائيليون يتحدثون عن سلام مع الفلسطينيين ولا عن انسحاب من اراضٍ فلسطينية ايضا. ولا يتحدثون عن الضفة الغربية الفلسطينية ولا عن قطاع غزة الفلسطيني ولا عن الاحتلال، ولا عن العامل السكاني الفلسطيني والشتات الفلسطيني والشعب الفلسطيني. بل لا يكادون يتحدثون حتى عن الأقلية الفلسطينية في اسرائيل. فقد كان الفلسطينيون وما عادوا موجودين. قبل نحو عشرين سنة اجتازوا الحاجز المعرفي – الذي كان عاموس عوز أول من عرّفه – أما الآن فعادوا وغابوا وراء ذلك الحاجز. إن الغائبين الذين أصبحوا حاضرين عادوا فأصبحوا غائبين، فلا يتحدثون عنهم ولا يفكرون فيهم ولا يكترثون بهم. إن سور فصل نفسيا صلبا يحول بين اسرائيل اليهودية وجيرانها الذين استطاعت ان تُغيبهم عن وعيها.

إن تغييب الفيل الفلسطيني عن النظر هو قبل كل شيء نتيجة نجاح: فقد تلاشت الانتفاضة الاولى، وهُزمت الثانية، ورُدعت دولة "حماس"، وصُد التسونامي السياسي؛ فلم ينجح الفلسطينيون في ان يفرضوا علينا وعي وجودهم بهجماتهم على أسوارنا. والتغييب ايضا نتيجة فشل: فقد انهارت "اوسلو"، وفشلت "كامب ديفيد" وخيب الانفصال الآمال، ولم تثمر أنابوليس شيئا – ولم ينجح الفلسطينيون في ان يبرهنوا لنا على أنهم شركاء حقيقيون في السلام أو في تقاسم البلاد أو في حل الدولتين. وقد أفضى النجاح (الأمني) في مواجهة الفلسطينيين والفشل (السياسي) ايضا معهم الى أن كف الفلسطينيون عن اثارة الاهتمام بنا. فقد ضقنا ذرعا بالخوف منهم، وضقنا ذرعا برحمتهم، وضقنا ذرعا بتذكر أنهم هناك دائما.

بعد ان تبين ان الحركة القومية الفلسطينية عاجزة عن تأدية وظيفتها (في الحرب وفي السلام ايضا) استقر رأي الاسرائيليين على أن من الخسارة تضييع الوقت معها. ولهذا أدارت الأكثرية الاسرائيلية البراغماتية ظهرها لبرنامج العمل السياسي الامني واتجهت الى برنامج عمل اقتصادي اجتماعي. ولهذا أصبحت الأكثرية الاسرائيلية العملية غير مبالية بالفلسطينيين وبدأت توجه غضبها ضد الحريديين.

لكن توجد مشكلة، فالفيل حيوان من الأخطر في العالم. وهو خطير بصورة خاصة حينما لا يلاحظ وجوده وحينما يُدخل الى حيزه ويُثار غضبه. والفيل الذي لا يُرى قبل الأوان ويُتحدى بغفلة يمكن ان يقضي على كل من تعامى عن وجوده، فكيف يكون الفيل الفلسطيني. لقد تجاهلناه مرة بعد اخرى ولذّعتنا النار وأوهمنا أنفسنا أنه غير موجود هنا حقا فضُربنا. لا يمكن أن نكنس الشعب التوأم الذي نُقاسمه وطنا مشتركا تحت بساط التغييب.

ستأتي الصحوة. وسيعود الرقاص ليتحرك. وسيبرهن الواقع أننا لا نستطيع أن ننكر زمنا طويلا التحدي السكاني والتهديد السياسي والمشكلة الاخلاقية في القضية الفلسطينية. لكن حينما نفتح عيوننا مرة اخرى ونرى الفيل الضخم الذي يقوم في مركز حياتنا ستكون حاجة الى أن نجد سبيلا جديدا لمواجهته. فلن يكون ممكنا أن نحاول صيد الفلسطينيين ببندقية صيد كما حاولنا في الماضي البعيد، ولا أن نتوصل معهم ايضا الى سلام حقيقي كما أملنا في الماضي القريب. لكن سيُحتاج الى النظر اليهم ورؤيتهم والتحدث معهم. وستكون ثمة حاجة الى أن نجد سبيلا جديدا لتقاسم الارض بيننا وبين اولئك الناس الذين لا نراهم.

حرره: 
م.م