رفض جبناء

بقلم: اوري مسغاف

المبادرة التشريعية ليئير لبيد ونفتالي بينيت، باشتراط كل اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين باقراره في استفتاء شعبي هي قبل كل شيء تذكير بانه في العقد الاخير، منذ وضعت على الطاولة المبادرة السعودية، لا حدود للابداع الاسرائيلي في كل ما يتعلق بالتأجيل، الرفض، الاحباط والتفجير للمسيرة السياسية. الرأس اليهودي يخترع لنا ابتكارات. مشوق أن نرى أين كنا لو أنه فقط استثمر نصف هذه الطاقة في تحقيق السلام بدلا من تفويته.

ان الدافع الذي يحرك الخطوة واضح تماما. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يؤيدها، والليكود تجند لدفعها الى الامام في الكنيست بل ويكافح لنيل الحظوة على نمط ‘نحن فكرنا بهذا قبلكم’. معسكر اليمين، عديم الحل الحقيقي للنزاع، ولكن عنيد في معارضته للحل الوسط السياسي والاقليمي، يلاحظ هنا ربحا مثلثا.

في البداية هذه فرصة لتأخير الخطوة بوسائل عذابات التشريع والمعارضة الفلسطينية المحتملة (أي زعيم فلسطيني سيوافق على ادارة مفاوضات تتضمن تنازلات لحكومة اسرائيلية لا تتعهد مسبقا بتنفيذ الاتفاق الموقع؟). بعد ذلك احتمال افشال الاتفاق في صناديق الاستفتاء. وأخيرا اذا ما تبين مع ذلك فانه يلوح لفكرة الدولتين وتأييد الجمهور.

تعليل نتنياهو في أن هذا الموضوع الهام ‘ليس مناسبا أن يعتمد على أغلبية تأتي بالصدفة’، تبدو معقولة من الوهلة الاولى. ولكن على الفور تنشأ الاسئلة. فهل في الخروج الى حربين يمكن تفاديهما في لبنان، كلفتا آلاف القتلى والجرحى كان مناسبا الاعتماد على اغلبية أتت بالصدفة؟ وفي هجوم محتمل ومصيري في ايران؟ وفي الالتصاق بالجمود السياسي؟ وباطلاق عصر من الخصخصة والرأسمالية المبالغة التي غيرت المجتمع الاسرائيلي من الاساس؟ هكذا تعمل الديمقراطية البرلمانية، ما العمل. يطرح الساسة على الجمهور لينتخبهم، يحققون اغلبية ائتلافية، يشكلون حكومة ويتخذون القرارات.

صحيح، في سويسرا تجرى استفتاءات شعبية على مسائل مبدئية. وكذا في بعض الولايات الامريكية. غير أنه في هذه الاماكن يدور الحديث عن اجراء ثابت وتقليدي وليس مجرد تعسف لمرة واحدة. مهم أيضا أن نتذكر أي طلب سيطرح فورا في موعد قريب من اجراء الاستفتاء والانتصار باغلبية خاصة. فليس ملائما القرار باعادة ‘اجزاء من الوطن’ باغلبية صغيرة تأتي بالصدفة. لن يقترح احد الاشتراط بالاتجاه المعاكس والمنطقي بقدر لا يقل وبموجبه رفض السلام المحمل بالمصيبة، بالذات مطلوب له أغلبية خاصة. وعلى اي حال فما هو خاص حقا في الاغلبية الخاصة هو كونها وسيلة للتغلب على أصوات الاقلية العربية. فلا يعقل أن يشارك الفلسطينيون الاسرائيليون في الحسم التاريخي على مستقبل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، وكذا على مستقبل اخوتهم خلف الخط الاخضر.

وفوق كل هذا يحوم الجبن والهرب من المسؤولية. ولكن السلام هو دوما سلام الشجعان. فلا يمكن قيادة خطوة سياسية وغرسها في القلوب بعد سنوات من الشك والعداء، دون زعامة. مناحيم بيغن واسحق رابين لم يهربا من الزعامة والمسؤولية. انور السادات والملك حسين هما ايضا. يحتمل أن في مصر وفي الاردن لايستطيعون على الاطلاق النجاح في اقرار الاتفاقات في استفتاء شعبي، ولكنهم، بروح دافيد بن غوريون اهتموا بقدر أقل بما يريده الشعب في تلك اللحظة وعرفوا ما مرغوب له فيه في المدى البعيد.

لبيد، الذي تعهد في أن يشارك فقط في حكومة تستأتف المسيرة السياسية. وها هي البكائية التي ستدفعه للسير بلا ملابس ويشعر بانه يرتديها. ها هي الصيغة المخلصة التي تسمح بالابقاء على مدى الزمن على الحلف الغريب مع الاخ بينيت والاخت اوريت ستروك، وفي نفس الوقت الصعود درجة أخرى مع السياسة الجديدة. فعلى أي حال سبق أن اعلن انه سيتوقف عن الخطابة في الكنيست. هناك يزعجونه. وما هي المرحلة التالية، أهي عرض الاتفاق مع الفلسطينيين لاقراره في الفيسبوك واجمال الامر وفقا لعدد المعجبين؟