إيماءة الاصبع الوسطى

بقلم: ايال مغيد
أفترض أنه لن يخرج شيئا من الحاحي على مبادرة السلام العربية. لكن مع ذلك سأحاول. ربما فقط بعد أن أشطب الحاحي عن جدول الأعمال، سينتبه اليه أحد ما. هذا الأسبوع وصل وفد الجامعة العربية الى ما وراء جبال الظلام كي "يستجدي" السلام، هذه المرة في الآذان الأميركية. ذات الجامعة التي في العهد البائد هتفت للخيال الواسع لأحمد الشقيري عن تدمير اسرائيل، ذات الجامعة التي لوحت بايماءة الاصبع الوسطى ممثلة بـ "لاءات" الخرطوم في أعقاب حرب الأيام الستة، تأتي لتقترح من جديد منذ أكثر من عقد من الزمان اقامة علاقات سلام بين العالم العربي وبيننا، مقابل انسحاب الى حدود 1967. ومن يلوح بالايماءة المبتذلة بالاصبع الوسطى منذئذ وحتى اليوم هو نحن وليس هم.
"الاستجداء" الأخير للعرب في واشنطن تضمن ايضا تنازلا. حدود 67 لم تعد بعد اليوم بقرة مقدسة لا يلمسها أحد. وعلى حد قولهم، فانهم يفهمون بأنه طرأت تغييرات على الأرض وسيوافقون على التعديلات ايضا. وماذا تقول اسرائيل بالمقابل: يسرنا أن ندخل في المفاوضات، لكن دون أي شروط مسبقة. غير أنه في ردنا التلقائي لا ننتبه الى أن هذه المرة الشرط المسبق هو في صالحنا. فحتى قبل أن تبدأ المفاوضات نجد أن الطرف الآخر بالذات يتنازل لنا. وهو لا ينتظر ان نعرض مطلب ابقاء الكتل الاستيطانية على حالها (إذ باسمها ستجرى التعديلات)، بل يقبلها مسبقا. فما الذي نريده نحن بعد ذلك إذن؟
نحن نريد أن يتركونا لحالنا. ألا يزعجونا بالسلام وما ادراك بالسلام. فليس لنا اي مصلحة في السلام. السلام ليس ضروريا لنا على الاطلاق. وهو غير ذي صلة بحياتنا هنا. الأم اليهودية منشغلة بالحسم المصيري للمحلفين في الطباخ الأعلى. بالمذيع المشاكس. بالضريبة على صناديق الاستكمال. ليس لنا رأس لـ "بضعة عرب بائسين، يمدون يدهم يتسولون". اذا واصلوا ازعاجنا فسنمتشق السؤال الجاهز "ماذا عن حل العودة؟" فلعلهم نسوا. ينقصهم انهم نسوا. لا سمح الله أن ينزعوا منا هذا السلاح المضمون جدا.
أنا أسأل فقط، باعتذار، اذا كانت حكومة اسرائيل لا تضم الا بنيامين نتنياهو. فأين كل باقي اعضاء الحكومة، الذين لا يروق لي حتى أن أذكر اسماءهم، من شدة خيبة الأمل منهم. أين السياسة الجديدة الموعودة؟ هل هي لا تتناول غير الاصوليين، ام لبضعة شؤون وجودية اخرى؟ أين القوى المنتعشة، هل لا تزال منشغلة بتعديل مقعدتها على كرسي الوزير؟
قد أكون منقطعا عن الواقع، لكن مثل هذا الاقتراح من العالم العربي – الذي ليس فقط لا يحظى بالحماسة بل ولا حتى بالرد الايجابي. – ينبغي أن يخرج الجماهير الى الشوارع، أليس كذلك؟ أم ربما لدى كل الجماهير الذين تظاهروا ذات مرة في صالح السلام يوجد لهم الآن مستقبل آخر غير مستقبلي؟ يبدو أن هذا هو الجواب الصحيح: يوجد لهم مستقبل آخر تماما.
المشكلة هي أنه لا مفر من أن نقول المرة تلو الأخرى انه اذا لم يكن سلام فستكون حرب. جبهة الرفض الاسرائيلية الحالية لا تختلف في النتائج التي تجرها عن جبهة الرفض العربية في الماضي. نحن نتذكر جيدا (أو ربما يجدر بنا أن نذكر مرة اخرى) الى أين أدى الخرطوم. لكن ربما يكون هذا هو ما نريد – يوم غفران آخر. لعله مريح لنا أكثر مع الحروب، مما مع السلام. لعلنا نؤمن بالحرب اكثر مما نؤمن بالسلام. لعل ميدان القتال يبدو لنا واعدا أكثر. على اي حال اذا كان خريجو وحدة الأركان الخاصة المسؤولين عن سلامتنا يفكرون هكذا، لكن ماذا عن خريجي "بمحنيه"؟