أســرار تحـــت أرض القـــدس ...

بقلم: كرميت سفير فايتس

يجتمع الجميع هنا في نقطة واحدة: الأحياء، الأموات، الماضي، الحاضر والمستقبل. شرقي جبل الزيتون، امام اسوار البلدة القديمة. مراقب تعب يحاول تنظيم الوضع: بعد السياح الفرنسيين جاء تلاميذ الصف السابع ممن تركون في المكان أكياس البطاطا المقلية ومغلفات السكاكر.

على مسافة أمتار من هناك، في موقف سيارات جفعاتي، تجري منذ نحو ست سنوات حفريات أثرية تقع على مساحة نحو 3500 متر مربع. نحو خمسين عاملا ومتطوعا يمتثلون هنا كل صباح في الساعة السابعة. "هذه التلة العتيقة هي نواة الاستيطان القديم في المدينة"، يشرح د. دورون بن عامي من سلطة الآثار.

من كان هنا أولاً؟ من بدأ؟ أسئلة عديدة ولكن ثمة جواب واحد فقط: الناس كانوا هنا دوما. "لن يكون علم الآثار ابدا علما يؤيد أو يدحض أقوالا سياسية حديثة، فشعب اسرائيل هو مجرد نقطة واحدة في سياق طويل من الحياة في هذه المدينة المجنونة. نرى كيف تنهض الثقافات، وتخلي المكان لأخرى. من ناحيتنا، نحن علماء الاثار، لكل شيء زمنه وقصته"، يقول بن عامي.

الاحصاء ليس في صالحنا، إذ ان التاريخ درج على تكرار نفسه، ومن الافضل الانشغال بالماضي مما بالتوقعات السوداء للمستقبل. وعليه، فان شروط قبول عامل الحفريات تبدأ وتنتهي بالحماس الذي يبديه. الشباب في الموقع هم فسيفساء بشري مشوق: جي رغوسين، مدير عام شركة سابق، هاجر من نيويورك. وهو يستعيد الذكرى فيقول: "حين جئت الى هنا طلبت التطوع. وبعد وقت قصير أصبحت عاملا عاديا. في البداية كان الشباب يقولون لي حين كنا ننقل الاوعية من واحد الى آخر: اجلس وارتح. اما اليوم فهم يقولون: يا جي، نحتاجك. أنا هنا، إذ إنني اكتشف المرة تلو الاخرى جذوري". شير كرات من رعنانا (19 سنة)، متطوعة ليوم في الاسبوع في اطار سنة خدمتها التي تبدأ من تشرين الثاني. عندما نبدأ بالعمل هنا ننفعل جدا بكل قطعة فخار نعثر عليها، تقول. ومع الزمن نقول: حسنا، فخارة اخرى. رفيقها عوز متسكبتش (23 سنة) وصل الى الموقع في اطار عمل مفضل. وهو يعلل فيقول: "وأنا جد اريد أن أعمل بيدي وبالتالي يبدو طبيعيا أن آتي الى هنا. أنا آتي في السابعة صباحا لان هذه هي متعة الحياة، أرى الشروق وأنهي في الثالثة".

تقطع الحديث يد ممدودة نحوه تفتح بانفعال وتكشف عن قطعة لامعة. "لا فكرة عندي عن هذا. اسألي علماء الآثار"، يقترح متسكبتش. "لعلكِ تأخذين معولاً؟"، يعرض عليّ شاب لطيف يناول رفيقه دلواً، في اطار السلسلة البشرية التي تتناول الدلو من يد الى اخرى حتى يصل هدفه الاخير: حاوية نفايات البناء القديمة. ويدعوني إلى أن اعتمر خوذة حماية على رأسي.

من حظنا أنه توجد خوذة. فهذا الصباح فقط عثر على قطعة فخار تحمل كتابة ما – ومرة اخرى، إذا استندنا إلى تجربة الماضي، الى أن تقرر سلطة الاثار ما ترويه للجمهور الغفير، فاننا جميعنا نحتفظ بتلك الآثار. في هذه الاثناء كل شيء يبقى سراً محفوظاً.

  معاريف