يجب على العلمانيين أن يناضلوا من أجل حائط "المبكى"

بقلم: إنشل بابر

كان الحائط الغربي يرمز لوقت قصير للاعتدال والحكمة. وقد عُين الحاخام العسكري في الخدمة الاحتياطية، اسرائيل اريئيل الذي أصبح بعد ذلك من اعضاء حركة ‘كاخ’ ومؤسس معهد الهيكل، حارسا على باب جبل الهيكل (المسجد الاقصى) في صباح السابع من حزيران 1967 بعد ان احتله الجيش الاسرائيلي، وكان على ثقة بأنه سيأتي في غضون دقائق خبراء متفجرات مع مواد متفجرة لتفجير قبة الصخرة وتهيئة المكان لبناء الهيكل الثالث.

لكن وزير الدفاع موشيه ديان الذي يكثرون اتهامه بالحماسة الزائدة أمر آنذاك بعد اربع ساعات من الاحتلال بانزال علم اسرائيل عن جبل الهيكل وباجلاء سرية المظليين من هناك. وعبر القرار عن سيادة اسرائيلية رسمية تشير الى حدود فرضتها على نفسها دولة ذات ثقة بنفسها ووعي لذاتها. ويتهمون في اليمين الخلاصي ديان منذ ذلك الحين بالجُبن والشعور بالدونية أمام الاسلام. لكن ديان كانت عنده أولويات صهيونية وهي بناء مجتمع يهودي جديد وربطه بمصادره القديمة. أما انشاء هيكل جديد ومملكة كهنة فلم يكن يوافق عليه.

في اليوم الذي اختُرقت فيه حدود الدولة وطُمست فيها تحدد حد لهويتها ايضا. إن السور الداعم الضخم الذي بناه الملك هورودوس حول الهيكل أصبح حاجزا لروح التحقيق الأصولي. وقد تخلت دولة اسرائيل طوعا عن جبل الهيكل وحددت الحائط الغربي ليكون نقطة انطلاقها وذروتها.

ولم يصمد الاعتدال والحكمة أكثر من ثلاثة ايام. فقد طلب رئيس المجلس البلدي تيدي كوليك وحصل على موافقة على إجلاء 650 من سكان حي المغاربة الفقراء وهدم بيوتهم في غضون ساعات كي ينشئ باحة حائط المبكى الكبيرة. وقبل ان يُنقل المكان الى وزارة الأديان وسيادتها الدينية أضاف الطرد المتعجل لـ 135 عائلة من الحي معنى آخر الى معنى حائط المبكى.

إن المنطقة عديمة القدسية الزائدة التي كانت مزبلة بلدية للقدس البيزنطية والمسلمة القديمة أصبحت مهوى غرائز سياسية واقتصادية وقومية ودينية. فالجميع يريد ان يبسط سيطرته على حائط المبكى. فهو حائط مراسم وأساطير عسكرية ولا سيما للمظليين (لواء احتياط موتي غور الذي جاء الى الحرب على القدس متأخرا وتورط في معركة دامية لم يكن داعٍ اليها في جفعات هتحموشت، وسارع الى قطف المجد حينما لم يلق مقاومة في احتلال البلدة القديمة)؛ وهو حائط عقارات، ومباني مدارس دينية، ومكاتب فخمة ونصب تُبنى بنفقة أثرياء يهود من الخارج وتلقي بظلها على الباحة المفتوحة، وهو حائط هيمنة ارثوذكسية تحشر النساء في خُمس المساحة، وتحاول ان تفرض على الباحة كلها قوانين فصل متشددة وتُبعد كل تيار ديني آخر يضطر الى الاكتفاء بالحائط من النوع ب؛ وهو حائط جهل يمنع بحثا أثريا ذا شأن؛ وهو حائط مال: مخصصات وتبرعات وهبات تُديرها بعيدا عن النظر حلقة ضيقة من رجال الاعمال والمقربين؛ وهو حائط سياسة، وهو خلفية لالتقاط صور المشاركين في الانتخابات التمهيدية والدعاية الانتخابية وهو غاية يأتيها رؤساء الدول الذين يأتون لزيارة خاطفة لفقاعة المنطقة المعقمة.

إن اسرائيليين يرون أنفسهم أسوياء العقول أقنعوا أنفسهم منذ زمن بأن الحائط لا يعنيهم. وتنظر اليه دوائر مستنيرة على أنه حائط يثير السخرية. وهم لا يفهمون لماذا تصمم مجموعة من النساء النسويات والليبراليات على العودة وهن ملتفات بملابس الصلاة لمجابهة حريديين يرمونهن بالكراسي وأكياس الوسخ، ويُعتقلن ويناضلن عن الحق في الصلاة قربه. وأكثرهن امريكيات سيعدن الى نيويورك أو يذبن في عدم الاكتراث الاسرائيلي. وهن يُثرن العصبية باصرارهن على اقامة مراسم قديمة جدا بدائية. فهناك امور أكثر إلحاحا يشغلن أنفسهن بها. لكنهن يذكرن ايضا انه لم يعد يمكن تجاهل الحائط والتخلي عن مركز السيادة الاسرائيلية للحريديين والمسيحانيين. ذكّرنا القاضي اللوائي موشيه سوفيل بذلك حينما قضى في الشهر الماضي بأن العبادة في ذلك المكان عند الحائط تكون ‘بحسب تفسير تعددي علماني ووطني’. وسوفيل وهو شخص متدين لم يمنح الجمهور المستنير مجرد نصر بل فرض على العلمانيين مسؤولية ثقيلة وهي ان يعطوا المكان الذي اختُطف وحازه الخطاب الديني، أن يمنحوه تفسيرا تعدديا علمانيا ووطنيا.

يمكن أن نتهرب من التحدي الذي تُظهره نساء حائط المبكى من مسؤولية عرض بديل اسرائيلي رسمي عن هذا التذكير المحرج بفشل السيادة اليهودية في ارض اسرائيل في الماضي البعيد. قد يكون شخص ما فكر أنه يمكن اعطاء المتدينين الحائط وأن يكتفوا به ويصلوا في هدوء. لكن من الواضح اليوم أن دوائر واسعة لا ترى الحائط نقطة حدود بل قاعدة لبناء الهيكل. ولن نستطيع تجاهل هذا وإن شئنا ذلك ايضا.