بأي حق تعترض إسرائيل قوافل نقل السلاح؟!

بقلم: جدعون ليفي

بدا أكثر من مرة أن سياسة اسرائيل الخارجية والامنية تنحصر في السنوات الاخيرة في موضوع واحد وحيد وهو صيد السلاح، فما ان تعلم بصفقة سلاح في المنطقة حتى تعترضها. لا نقول إن الحديث يدور عن دولة مسالمة تريد أن تُجرد العالم من سلاحه لأسباب نبيلة، لا على الإطلاق، فهي نفسها لا تكف عن التسلح. لكن ما يجوز لها يجوز لها فقط.

يقود بنيامين نتنياهو هذه السياسة، وسنوات رئاسته للوزراء هي أكبر موسم صيد. ومنع وصول السلاح للأعداء هو بالطبع هدف منطقي ومشروع، لكن حينما يصبح هو الأساس الذي لا يوجد سواه مع تسلح اسرائيل نفسها بمقادير مجنونة مع جعل التجارة بالسلاح عنصرا مركزيا من تصديرها – تصبح هذه السياسة مقلقة ومتلونة. فهي تثير اسئلة صعبة عن دور اسرائيل في المنطقة في نظر نفسها بل عن حقها في ادارة قطاع السلاح عند جاراتها.

بدأ ذلك بالطبع مع إيران والحملة المسيحانية لاعتراض قدرتها على احراز سلاح ذري، من غير ان يخطر ببال اسرائيل ان تقترح مقابل ذلك تجريد الشرق الاوسط من السلاح الذري. لكن الشرطي الاقليمي لن يكتفي بذلك بطبيعة الامر. إن كل صفقة سلاح يتم التعاقد عليها في المنطقة تحظى فورا بهجوم اسرائيلي يكون دبلوماسيا احيانا مع استعمال ضغط ثقيل، عسكري احيانا مع القصف. فالسلاح القادم لـ"حماس" يُقصف في السودان وتتم مصادرته في البحر؛ والسلاح القادم لـ "حزب الله" يُقصف في سورية. فليكن ذلك. لكن حتى صفقة سلاح بين الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية السعودية، وهي دولة لم تواجه اسرائيل عسكريا قط، تلاقي فوراً حملة ضغط ترمي الى إحباطها؛ وكذلك الحال مع مصر أيضا التي لإسرائيل معها اتفاق سلام.

تنجح حملة الضغوط هذه أحيانا – وحينما تفشل تكتفي اسرائيل بما يشبه مصالحة ابتزازية بأن تحصل على مزيد من السلاح لها هي نفسها مقابل ذلك. بل إن الدولة الفلسطينية التي يفترض في ظاهر الامر ان تنشأ بحسب سياسة اسرائيل المعلنة، حُكم عليها مسبقا بأن تكون منزوعة السلاح، فلا يجوز ذلك إلا لاسرائيل. وتوجد اسرائيل لنفسها ايضا خطوطا حمرا مرنة وكثيرة – من السلاح الكيميائي بالطبع الى سلاح "يكسر التعادل"، والذي هو بلغة أدق سلاح قد يضر بتفوقها المطلق الذي لا يمكن زعزعته. وترفض اسرائيل أن تفهم أنه توجد نظم حكم اخرى غيرها تريد السلاح وأن ليس كل سلاح موجها ضدها خاصة.

وكانت آخر صرخة في هذا المجال هي منع سورية من الحصول على السلاح. فروسيا العظمى تريد ان تسلح نظام بشار الاسد الوحشي بصواريخ مضادة للطائرات، وهو سلاح دفاعي بحسب كل المعايير، وتصرخ اسرائيل معترضة. إنها لا ترى أمام ناظريها مصلحة المواطنين السوريين الذين يُذبحون، فهذا آخر شيء يهمها، إنها لا يقلقها سوى أن هذا السلاح قد يصل الى "حزب الله"، وهكذا ستُسلب قدرتها على الطيران كما تشاء في سماء لبنان، مع إخلال وقح لسيادته كما اعتادت منذ سنين. إن نتنياهو لم يهب للطيران إلى أي مكان على أثر تصريح الجامعة العربية بمبادرة سلامها المعدلة، بل طار بالطبع للقاء فلادمير بوتين على عجل وليحاضر له في فصل من نظرية التسليح وليُبين له ما الذي يجوز لروسيا وما الذي لا يجوز. وماذا عن تسليح الغرب للمتمردين؟ إن السلاح الذي سيُنقل اليهم قد ينتقل هو ايضا الى أيدٍ خطيرة. وهنا تصبح اسرائيل بكماء، بل إن رئيس هيئة الاركان السابق، غابي اشكنازي، يدعو الى تسليحهم.

يوجد هنا، ويجب الاعتراف بذلك صدقا، قدر من الوقاحة والنفاق والاستعلاء. لو أن اسرائيل أدارت سياسة سلام الى جانب سياسة الصيد هذه فربما لم نجد ما نشتكي منه. ولو أنها لم تكن هي نفسها رابع مزودة للسلاح في العالم ومستهلكة للسلاح بقدر لا يقل عن ذلك لأمكن أن نُعايش سياسة نزع السلاح هذا. لكن حينما يكون منع السلاح في المنطقة هو الهدف الوحيد، يبرز السؤال بكامل قوته وهو "بأي حق؟".

حرره: 
م.م