تهديدات إسرائيل للأسد ... مبالغ فيها

بقلم: عاموس هرئيل

بدت الرسالة القاطعة التي نقلها، أول من أمس، من وُصف بأنه "مسؤول إسرائيلي كبير" الى سوريا عبر صحيفة "نيويورك تايمز" مبالغة طفيفة إن لم نقل رداً زائداً. فالتهديد الاسرائيلي بالرد باسقاط نظام رئيس سوريا بشار الاسد، إذا استقر رأيه على مهاجمة إسرائيل ردا على عمليات القصف الثلاث من الجو التي ينسبها إليها داخل بلده منذ بدء هذه السنة، لا يتساوق الى الآن مع الاحداث على الارض.

صباح أول من أمس، أُطلقت قذيفتا رجم من سوريا أصابتا مكانا غير بعيد عن موقع جبل الشيخ، لكن سيصعب على اسرائيل ان ترى هذه الواقعة حادثة غير عادية أو شديدة الخطر على نحو مميز، وإن كان نقص المواد اللحظي قد أبرز التقارير عنها في العناوين الصحافية الرئيسة في مواقع الاخبار في الشبكة العنكبوتية عدة ساعات.

من المنطق ان نفترض أنه كان هناك انزلاق غير متعمد كما وقع في حالات سابقة وصلت الى تبادل اطلاق نار بين الجيش السوري وقوات المتمردين قرب الحدود مع اسرائيل. وقد ردت اسرائيل على بعض هذه الحوادث باطلاق مُركز لقذائف دبابات أو بصاروخ على مواقع الجيش السوري في المنطقة.

ولا تشير المعلومات الاستخبارية التي تملكها اسرائيل الآن الى نوايا فورية عند الاسد وحلفائه من "حزب الله" تنفيذ تهديداتهم وفتح جبهة ضد اسرائيل في هضبة الجولان ردا على الهجمات الجوية. وينضم التقرير من الولايات المتحدة في الحقيقة الى رحلة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، العاجلة الى روسيا بغرض منع تزويد سوريا بصواريخ مضادة للطائرات من طراز "إس 300"، لكن الطريق من هنا الى اسقاط نظام الاسد ما زال طويلا.

إن اسرائيل ليس عندها اهتمام حقيقي بدخول دوامة الحرب الأهلية في سوريا أو بالتدخل لمصلحة أحد الطرفين في المعركة الدامية. وسيكون هناك هجوم اسرائيلي كثيف اذا لم يوجد مفر آخر فقط، وسيكون مقرونا آنذاك ايضا بمخاطرة كبيرة هي نشوب حرب حقيقية بين اسرائيل وسوريا قد تتضرر فيها الجبهة الاسرائيلية الداخلية ضررا شديدا ايضا. ويصعب بازاء سياسة استعمال القوة الحذرة نسبيا التي استعملتها حكومة نتنياهو الى الآن أن نفهم النغمة الحماسية للتهديد الأخير.

يجري بين اسرائيل وسوريا منذ سنوات حوار مركب من التهديد والاشارات الخفية. وهناك ميل الى نسيان أن ذلك بدأ قبل نشوب الحرب الأهلية في سوريا في شتاء 2011 بزمن طويل. في مطلع العقد الماضي حلقت طائرات اسرائيلية على ارتفاع منخفض فوق قصر الاسد، وتم قصف قاعدة تدريبات فلسطينية في سوريا ردا على دعم بذلته سوريا لمنظمات "ارهابية" فلسطينية في الانتفاضة الثانية ووسائل قتالية نُقلت من دمشق الى "حزب الله". وبعد ذلك في العقد نفسه نسبت سوريا ووسائل الاعلام الاجنبية احيانا الى اسرائيل اعمال اغتيال لنشطاء "ارهاب" ولجنرال سوري، وقصف المنشأة الذرية في دير الزور. وفي جميع تلك الحوادث امتنع الأسد عن الرد المباشر برغم تهديدات صدرت عنه احيانا.

وقد اعتاد الرئيس السوري ان يُنكر وقوع شيء ما أصلا. وحينما فقد الانكار مصداقيته في نظر العالم العربي ولم يبق عنده خيار آخر اعترف بأنه هوجم. هذه كانت عادة الاسد بعد الوقائع الاولى وكذلك تصرف بعد ذلك ايضا بعد الهجوم على المفاعل الذري بل بعد قصف قافلة السلاح التي كانت تنقل صواريخ "إس.إي17" الى لبنان في كانون الثاني، هذا العام.

ومع ذلك يجب على اسرائيل ان تأخذ في حسابها أنها اذا أرادت ان تهاجم في المستقبل – وقد حذّر رئيس الاركان بني غانتس في مطلع الاسبوع بأن اسرائيل ستصر على عدم اجتياز الخطوط الحمر التي رسمتها لنقل السلاح – فقد ينتبه الاسد من غفلته ويستقر رأيه آخر الامر على رد عسكري.

حرره: 
م.م