حزب الله يكافح في سبيل بقائه في ساحتين ويقود لبنان لمسار الصدام

بقلم: اوريت بارلوف واودي ديكل

الصلة العميقة بين حزب الله ونظام بشار الاسد في سورية، التي وجدت تعبيرها في القتال الى جانب قوات بشار الاسد ضد الثوار، حثت ميل ضعف المنظمة في الساحة السياسية اللبنانية الداخلية. وتشهد التطورات التي وقعت في لبنان في الاشهر الاخيرة والخطاب في الشبكات الاجتماعية على عمق الازمة التي تواجهها المنظمة، اضافة الى ذلك، تطرح في الشبكة تعابير: الحرب الاهلية، الصدام، الفراغ السياسي والصراع بين السنة والشيعة، وتسود التقديرات بان الاحداث تقود الى صدام لبناني داخلي. الخطاب واسع النطاق، الذي يجري في الشبكة عبر الفيسبوك والتويتر، يشير الى التحديات التي يقف امامها حزب الله في ثلاث ساحات: المعركة في سورية، الساحة السياسية المؤطرة في لبنان، والساحة الطائفية (السنة الشيعة).

حزب الله غارق في الوحل السوري

عناوين مثل ‘فيتنام هي هنا’، تظهر على نحو مستمر في الشبكات الاجتماعية، وتحتل مقاطع اليوتيوب التي توثق نشاط مقاتلي حزب الله ضد قوات المعارضة السورية. وبالنسبة لعدد مقاتلي حزب الله العاملين في سورية، فان المعطيات التي ظهرت في الشبكات الاجتماعية تتراوح بين الف وستة الاف مقاتل. ويتعاظم الانتقاد في لبنان على تدخل حزب الله في سورية، في أعقاب العدد الكبير لمقاتلي حزب الله، ممن يعودون الى لبنان في توابيت الدفن. وبين المحتجين على سياسة حزب الله يوجد زعيم المنظمة السابق، الشيخ صبحي الطفيلي، الذي منح مقابلة صحافية ادعى فيها ان ‘النشاط غير الحذر الذي يقوم به حزب الله في سورية لن يؤدي الى عشرات او الاف القتلى، بل الى ملايين القتلى…’.

احتجاج فظ ضد دور حزب الله في الحرب الاهلية في سورية يسمع ايضا على لسان الناطقين باسم المعارضة في سورية ـ منظمة جبهة النصرة الجهادية (المتماثلة مع القاعدة)، الجيش السوري الحر والحركات المعارضة من الاخوان المسلمين. وقد طلب رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب من نصرالله، في خطاب مسجل في صفحته على الفيسبوك أن يخرج على الفور مقاتليه من سورية. ووصف الخطيب تدخل حزب الله في سورية بانه ‘غزو وافلاس اخلاقي’، وأوضح لنصرالله بانه سيكون مسؤولا شخصيا عن تفكك لبنان وسورية طائفيا والصراع العنيف بين السنة والشيعة. وبالتوازي، نشرت قوات النصرة بيانات تحذير للرئيس اللبناني ميشيل سليمان: ‘… انظر بذلك تحذيرا أخيرا، عليك أن تتخذ خطوات فورية لكبح جماح كلاب لبنان… والنار ستحرق بيروت قريبا. اذا لم تعمل في غضون 24 ساعة، سنرى في ذلك تعاونا في المذبحة التي ينفذها حزب الشيطان… وسنتخذ خطوات خاصة وسنحرق بالنار كل من نصطدم به في بيروت’.

آثار على السياسة اللبنانية الداخلية

قبل ثلاثة اشهر من الانتخابات البرلمانية في لبنان (المخطط لها لـ20 حزيران/يونيو 2013)، أعلن نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة عن ائتلاف 8 اذار، بقيادة حزب الله، عن استقالته. وكان السبب الرسمي لهذه الخطوة عدم نجاحه في أن يقر في المجلس الوزاري قانون الانتخابات، وكذا عدم موافقة شركاء الائتلاف (الذي يتشكل اساسا من الشيعة (أمل وحزب الله) والمسيحيين (‘التيار الوطني الحر’ برئاسة ميشيل عون)، باقرار تمديد ولاية رئيس جهاز الامن الداخلي، أشرف ريفي، سنة اخرى. وكلما اقترب موعد الانتخابات بدا واضحا ضعف تأييد المسيحيين من جماعة عون، لائتلاف حزب الله وكذا نية الكثيرين الامتناع عن التصويت للائتلاف في الانتخابات القادمة. وفي ضوء التخوف الشديد من الخسارة في الانتخابات، فضلت قيادة حزب الله الوصول الى حل وسط. وعليه، فقط اضطر حزب الله الى الموافقة في 8 نيسان/ابريل 2013 على تعيين تمام سلام، لرئاسة الوزراء، وتأجيل الانتخابات البرلمانية. وقد نبع الوصول الى حل وسط أيضا من تعاظم الاحتجاج ضد المنظمة على دورها في سورية وانتقال الاحداث الى الاراضي اللبنانية في منطقة البقاع وطرابلس.

اعداء من الداخل

ويوصف الوضع في لبنان في الشبكات بانه فراغ سياسي، عقب فرار زعيم المعسكر السني، الحريري، الى باريس والرياض، بينما يواصل نصرالله البقاء في مخبئه. ويحتل مكان الزعماء السُنة العلمانيين واعظون سلفيون متطرفون في صورة الواعظ السلفي الشيخ أحمد الاسير إمام مسجد بلال بن رباح في صيدا، والشيخ سلام الرفاعي، إمام مسجد التقوى في طرابلس. ومنذ بداية 2012 يدير هؤلاء الواعظون صراعهم ضد حزب الله، من خلال الشبكات الاجتماعية والخطب التي يلقونها في المساجد. وقد تحدوا شرعية حزب الله وطالبوا بنزع سلاحه ونقله الى الحكومة اللبنانية. كما اثار الواعظون سكان جنوب بيروت والمدن والقرى جنوب العاصمة حين دعوهم الى مظاهرات احتجاج والى اقامة الحواجز واحراق اطارات السيارات في الطرق الرئيسة من الجنوب والشمال الى بيروت. في 22 ابريل 2012 اصدر الواعظان فتوى دعيا فيها الشبيبة الى التجند الى الجهاد الى جانب الثوار في سورية ضد حزب الله. ‘هذه فريضة على كل مسلم ان يؤديها’. واعلن الاسير عن اقامة ‘كتائب المقاومة الحرة’ في صيدا، ودعا أصحاب المال الى التبرع بالسلاح والمال للمساعدة في الكفاح. والى جانب ذلك دعا الشيخ الاسير الى اقامة ميليشيات لبنانية تعمل سرا من أجل اليوم التالي لسقوط الاسد، في حالة مواصلة حزب الله صراعه ضد معارضي الاسد في لبنان ايضا. وشكر الناطقون بلسان المعارضة المسلحة وغير المسلحة في سورية الشيخين على تأييدهما ولكنهم طلبوا منهما ‘الامتناع عن التدخل في شؤون سورية، ومن تصدير الصراع اللبناني الداخلي بين السلفيين والشيعة من لبنان الى سورية’.

ويشارك الكثيرون في الخطاب الجاري في الشبكات الاجتماعية، مشيرين بقلق الى العاصفة التي توشك على ضرب لبنان. ويعد احد المؤشرات على ذلك هو يوم الاعلام السوداء التي تدل برأيهم على الوجود المتزايد للقاعدة في شمال لبنان. ويعرب هؤلاء عن تخوفهم من أنه بعد انهيار نظام الاسد ستتوجه قوات القاعدة والجماعات السلفية المتطرفة في لبنان، بالتعاون مع جماعات جهادية سورية، كجبهة النصرة الى حملة انتقام ضد حزب الله. وكما ورد في الشبكة، ‘اليوم هم يصارعون الواحد ضد الاخر في سورية وبعد ذلك سيواصلون الصراع على ارض لبنان’. ويضيفون بانه خلافا لصراع حزب الله ضد اسرائيل، الذي يتميز بانه صراع مقاومة ينال الشرعية، فان المنظمات السلفية، الجهاديين وحركة النصرة لا تلتزم بذات قواعد اللعب. ويعتقد موقف آخر بانه مع تحطم المحور الراديكالي ايران ـ سورية ـ حزب الله، سيفقد حزب الله سنده الاستراتيجي وروافع القوة حيال منظمات الجهاد السنية. وبرأيهم، فان جولة عنيفة بين السنة والشيعة في لبنان هي مسألة وقت فقط.

خاتمة وملاحظات

في أوساط المتصفحين في الشبكات الاجتماعية يبدو واضحا اجماع شامل بانه لاحقا آجلا أم عاجلا ستنتقل الاحداث في سورية الى الاراضي اللبنانية. وعلى حد فهمهم، فان تدخل حزب الله في سورية لن يبقى من دون جواب، وان التطورات في الساحة السورية ستكون لها آثار محملة بالمصائب وبعيدة المدى على لبنان ومواطنيه. ويصف المتصفحون ثلاثة سيناريوهات ناشئة:

مواجهة بين سورية ولبنان، تنشأ بعد سقوط نظام الاسد في إثر أعمال ثأر تقوم بها جبهة النصرة ضد حزب الله.

حرب بين الشيعة والسنة المتطرفين في لبنان.

التدهور الى حرب أهلية في لبنان.

وتعارض الاغلبية الساحقة في الشبكات الحرب الاهلية، ولكن خلافا للماضي، حين اعتقد الناس أن ‘اثر الخوف’ سيمنع التدهور الى حرب اهلية اخرى، فانهم يعتقدون اليوم بان أثر الخوف ليس قويا بما يكفي وأن الاحداث ستؤدي الى صدام داخلي في لبنان. ويصف الناشطون في الشبكات الوضع الذي علقت فيه منظمة حزب الله، في سورية وفي لبنان على حد سواء بانه صراع بقاء. ومع ذلك، فان حقيقة ان حجم اللهيب في لبنان لا يزال منخفضا، تستقبل لديهم بالاستغراب. يحتمل ان يكون الجواب على ذلك يكمن في القول الذي يعود هو الاخر الى الخطاب في الشبكة ويقضي بانه ‘في لبنان لا يوجد خاسرون، يوجد منتصرون ويوجد من يبقون في الظل وينتصرون في المرة التالية…’.

ولا توفر الشبكات الاجتماعية في لبنان جوابا على سؤال هل الضغط والانتقاد المتعاظم على حزب الله من الداخل، اي من جانب مؤيديه الى جانب معارضيه في لبنان، الى كبح جماح ردود أفعاله تجاه اسرائيل وامتناعه عن التدهور نحو مواجهة ثالثة مباشرة مع اسرائيل. يمكن أن نرى في تهديد نصرالله، ردا على الادعاء بان اسرائيل هاجمت ارسالية صواريخ ارض ارض من ايران الى حزب الله، على المشاركة الى جانب سورية في اعمال المقاومة لتحرير هضبة الجولان المحتلة، دليلا على أنه يفضل الا يبادر الى جبهة مواجهة مباشرة مع اسرائيل، في الاراضي اللبنانية.

حرره: 
م.م