إسرائيليون قضى عليهم الاحتلال

بقلم: جدعون ليفي

ما الذي جرى لايتمار ألون؟ لا أحد يستطيع أن يقول ما الذي سبب فورة جنونه القاتلة بالضبط، فقد أخذ أسراره الى قبره. لكن خلفيته تعطي عدداً من الإشارات الخفية.
بلغ ذروة نجاحه في حياته البائسة في خدمته العسكرية. فقد كان ألون ضابطا في الهندسة الحربية وفي حرس الحدود. وتقول أمه إنه كان جنديا يقتدى به. وأوحى كل ما حدث بعد خدمته العسكرية بالفشل. فيمكن أن نفترض من هنا ان شيئا ما قد اختل في طريقه من الجيش وحرس الحدود الى الحياة المدنية. سُجل بريق نجاح وحيد في سنة 2002 حينما صفى الحارس ألون بسلاحه "مخرباً" في مدينته، ونال على ذلك وسام تقدير.
لم يتعلم ألون في الهندسة الحربية وفي حرس الحدود خاصة استعمال السلاح فقط بل سهولة استعماله ايضا. وتعلم ايضا انه يمكن قتل أبرياء دون ان يُعاقب، فقد خدم الخدمة العسكرية في "المناطق". وللجمع بين حرس الحدود و"المناطق" معنى مميز جدا. فحرس الحدود هو أشد الاسلحة مرضا في سلطة الاحتلال. وتوجد لذلك اسباب اجتماعية وعرقية تنطوي عليها خلفية أكثر مقاتليه من الروس والدروز والاثيوبيين وسكان الأطراف الذين لا ترسلهم اسرائيل عرضا في تهكم ليكونوا رأس حربة سيطرتها العنيفة على الفلسطينيين؛ وليس صدفة ايضا أنهم يتحولون ليصبحوا أكثر قسوة.
لم يتعلم ألون في حرس الحدود اطلاق النار فقط بل تعلم ايضا التعامل بقسوة وعنف وحل المشكلات ببندقيته وان ينال على ذلك ايضا وسام تقدير. وقد ضللنا العنوان الصحافي "البطل أصبح قاتلاً": لأن الحد الفاصل بين البطل والقاتل في "المناطق" خفي جدا، لا يلاحظه كثيرون ولا يعرف آخرون كالضابط ألون الخط الفاصل المطموس بين "المناطق" واسرائيل ايضا.
رأى ألون ان الأوغاد غيروا القواعد فما كان مسموحا به في الخليل تقريبا أصبح مُحرما في بئر السبع. ولا ينجح كل خريج خدمة عسكرية في "المناطق" في استيعاب هذا.
اقترنت بحكايته في موعد قريب حكايتان مشابهتان أخريان: ففي اليوم الذي أطلق فيه النار في كل اتجاه أُدين ضابط حرس حدود آخر هو نير سوميخ بقتل جاره، بن تال. وقبل ذلك بأسابيع قتل مقاتل آخر من حرس الحدود هو غولان كوهين زوجته، إستر ابراهام. يمكن بالطبع ان نقول في هذه الحوادث الثلاث أنها وقعت صدفة ويمكن ألا نفعل أيضا.
يتحدثون الآن على أثر حملة القتل في البنك عن تغيير سياسة حيازة المواطنين للسلاح، وهذه بالطبع خطوة مهمة لكنها السهلة نسبيا. تشتغل اسرائيل إثر كل حرب بضحايا صدمة المعركة. وتغطي في الوقت ذاته على وجود ضحايا آخرين هم ضحايا الخدمة العسكرية العنيفة في "المناطق". إن عشرات الآلاف ممن قتلوا واعتقلوا وضربوا وجرحوا وعذبوا وداهموا البيوت وفقدوا بوصلتهم الاخلاقية، يتجولون بين ظهرانينا كباقي البشر. وقد يكون أكثرهم تعافوا من صدمة معركتهم هذه لكن لا الجميع. وربما كان ألون واحدا من هؤلاء.
عرض تقرير نشره قبل بضعة أشهر قسم اعادة التأهيل في الولايات المتحدة، معطيات شديدة تُبين ان 31 في المائة من خريجي فيتنام، و10 في المائة من خريجي حرب الخليج، و11 في المائة من خريجي افغانستان و20 في المائة من خريجي العراق شُخصت حالتهم بأنهم مصابون بأعراض ضغط ما بعد الصدمة؛ وشُخصت حالة 30 في المائة من الجنود الأميركيين الـ 834.463 المسرحين المعالجين في السنوات الاخيرة أنهم مصابون بهذه الأعراض.
إن الخدمة العسكرية في "المناطق" هي نوع من الحرب ايضا من جهة الآثار النفسية. وهي دائما عنيفة جدا. كتب البروفيسور يعقوب روفيه، وهو مختص بالاختلالات النفسية، قبل أيام في صحيفة "اسرائيل اليوم" عن ألون: "يدور الحديث عن شخص يتميز سلوكه بسبب نشاطه بالعنف، ومارس في ماضيه نشاطا في حرس الحدود اشتمل على اطلاق نار وعنف. ويميل مثل هؤلاء الاشخاص في حالات الغضب الى اخراج مشاعرهم بعنف".
يحسن ان نتذكر هذا ايضا حينما نأتي لاجراء ميزانية كلفة الاحتلال. كان ألون وضحاياه جزءا منه؛ فهم ايضا ضحايا اعمال إسرائيل العدوانية.

حرره: 
م.م