أوقِفوا بيرس

بقلم: تسفي برئيل 

ماذا يريد هؤلاء الفلسطينيون بعد؟ يعرض عليهم وزير المالية يئير لبيد دولة في حدود مؤقتة، وتحدث وزير الخارجية الامريكي جون كيري هذا الاسبوع عن ‘خطة استثمارات بمقدار 4 مليارات دولار’، لا أقل من ذلك من اجل صب أساس اقتصادي صلب يكون ‘شرطا لدولة مستقلة’، لكن محمود عباس العنيد متعلق بالدولة الفلسطينية في حدود 1967.

تقول الحكمة الرائجة والمعوجة، ان عباس لا يريد السلام حقا، فالوضع الراهن وهو لا سلام ولا حرب مريح له كي لا يضطر، وهو آخر الآباء المؤسسين لفتح، الى ان يشرب كأس السم ويتخلى عن اراضٍ. وعباس بحسب هذه الرواية هو في الحاصل العام صورة مرآة لبنيامين نتنياهو، الخاضع هو ايضا لتراث ايديولوجي لا يدعه يتخلى عن اراضٍ وإن لم تكن لدولة اسرائيل، ولا يؤمن بالسلام ايضا أو لا يرى عباس شريكا على الأقل، وهو ايضا مثل عباس يؤمن بأن الزمن يعمل في مصلحته. ويرفض كلاهما، أي نتنياهو وعباس بالطبع في نفور، هذه الاتهامات. فكلاهما مُغرم بصنع السلام، وكلاهما يريد ‘الطلاق بعدل’ كما قال لبيد ولا يوقفهما سوى قوة من القوى العليا من عمل الشيطان.
يقول نتنياهو إن المشكلة الحقيقية ليست التخلي عن اراض أو برنامج التفاوض حتى ولا تقسيم القدس. ويعرض نتنياهو في دهاء يستحق المدح، الصعوبة الكبيرة الكامنة في عدم الثقة بعباس باعتبارها العائق الحقيقي أمام السلام. وهنا بالضبط تفترق طريقا الزعيمين. ففي حين لا تعني مسألة الثقة عباس ـ فهو يتحدث عن الارض والحدود والترتيبات الامنية، باعتبارها أدلة على جدية اسرائيل ـ يعرض نتنياهو الثقة بعباس على أنها شرط أساسي. لكن ليس عنده ما يطلبه شرطا لمنح الثقة لأنه ماذا يطلب؟ أوَقْف الارهاب؟ اليس الارهاب لم يعد كما كان في مطلع الألفية الثالثة، منذ سنوات طويلة؟ أسيطرة على الصواريخ التي تُطلق من غزة؟ يسود هذه الجبهة اليوم ايضا هدوء بفضل التفاوض الذي أجرته اسرائيل مع حماس. فبقي فقط أن يطلب الاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية.
يأمل نتنياهو هنا انهاء قضية الثقة لأنه كيف يمكن إتمام اعمال مع من لا يعترف بيهودية اسرائيل؟ وهذا هو السبب الحقيقي ايضا لرد المبادرة العربية، باعتبارها غير ذات موضوع، رغم ان الدول العربية مستعدة للأخذ بفكرة تبادل الاراضي. واسرائيل في رأي نتنياهو ليست غير محتاجة فقط الى حزام أمني عربي، وليس هو فقط لا يُصدق زعماء الدول العربية، بل توجب عليه مبادرتهم أن يعترف بوجود شريك فلسطيني مناسب يتمتع بدعم عربي ودولي.
ومن هنا جاءت الدهشة التي أصابت نتنياهو من كلام الرئيس شمعون بيرس في المنتدى الاقتصادي الذي عُقد في الاردن. لم يعرض بيرس حلا سياسيا ولا بسط خريطة انسحاب، بل كانت خطيئته انه قال إن عباس هو الشريك لا غير، مخالفا بذلك مخالفة تامة استراتيجية عدم الثقة التي يفترض ان تسد الطريق الى التفاوض لأنه اذا كان عباس هو الشريك، تحطم أصلا حاجز الثقة، ويبدأ من هنا المنزلق الذي قد يفضي، لا سمح الله، الى تفاوض حقيقي. وقد ضعضع بيرس كما يرى نتنياهو وشتاينيتس وبينيت ولبيد السور الواقي الذي بُني بجهد كبير وتخلى عن الشرط المسبق وأعاد عباس الى منزلته، باعتباره شريكا مناسبا من غير ان يحصل على مقابل من ذلك.
ولا غفران لذلك، لا سيما بعد ان نجح نتنياهو في ان يصد عنه وزير الخارجية الامريكي الذي انضم في هذه الاثناء الى مدرسة ‘السلام الاقتصادي’، كأنها مظلة يفترض ان تخلصه من فشل جهوده ازاء استراتيجية ‘فجوة الثقة’ الاسرائيلية التي لطمته على وجهه. إن كيري مستعد لتجنيد استثمارات للفلسطينيين، بشرط ألا يضطر الى الاعتراف بدولة فلسطينية، لأن المال أرخص من الحسم السياسي. وإن شخصا لا مسؤولية عنده فقط وهو مجرم حقا مثل بيرس يقلب الطاولة.

حرره: 
م.م