بيغن أدخل المحرقة في الخطاب الإسرائيلي العام 1977

بقلم: الوف بن
تؤدي ذكرى المحرقة دوراً مركزياً في سياسة إسرائيل الخارجية والأمنية. ويصف قادة الدولة وقادة الجيش الاسرائيلي مهمتهم الرئيسة بأنها منع محرقة جديدة تتربص بالشعب اليهودي في رأيهم. سيزور رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الأسبوع القادم، معسكر الابادة السابق أوشفيتس، ويفتتح هناك المعرض الدائم في "بيتان ايهودي". ويحذر نتنياهو في مثل هذه المقامات من المحرقة الجديدة التي تخطط لها ايران، ويعد قائلا: "لن نقف مرة اخرى عاجزين في مواجهة من يطلبون القضاء علينا".
ليس نتنياهو وحده. فرئيس الاركان، بيني غانتس، وهو ابن لناجيين من المحرقة، سيعرض وثيقة مخيفة حصل عليها في "مسيرة الحياة" في اوشفيتس، يحسب فيها موظف نازي الفائدة والخسارة الاقتصاديتين للسجين اليهودي. وقاد قائد سلاح الجو، امير ايشل، الطلعة الجوية لطائرات اف 15 فوق اوشفيتس قبل نحو عشر سنوات. ويرسل الجيش مئات من أصحاب الخدمة الدائمة في الجيش في رحلات "شهود في البزات العسكرية" الى بولندا ترمي "الى تقوية" شعور القائد بالجيش الاسرائيلي وبدولة اسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية للشعب اليهودي"، ولجعل "القائد مخلصا لوحدته ومحيطه لتوريث ذكرى المحرقة".
إن الصلة بين المحرقة والحياة الواقعية تبدو اليوم طبيعية ومفهومة، لكن الامر لم يكن كذلك دائما. في حرب "يوم الغفران" دفع الجيش الاسرائيلي الى دونية شديدة. فقد هاجمت مصر وسورية بغتة، وصعب على سلاح الجو الاسرائيلي أن يعمل في الجبهتين، وقتل مئات الجنود في معارك الصد ومع كل ذلك لم يرَ الساسة والقادة في أخطر ساعاتهم امام أعينهم غيتو وارسو ومابدنك ويمكن أن نجد في الكتب الكثيرة التي نشرت عن تلك الحرب رعبا وخوفا وبلبلة وفقدانا لرباطة الجأش، لكن العدو لا يوصف بانه مثل هتلر وآيخمن.
لم يتحدث زعيما إسرائيل في العام 1973 غولدا مائير وموشيه دايان عن المحرقة حتى في ايام الحرب الاولى الصعبة. وقالت غولدا التي آمنت باهمية الدعاية بقدر لا يقل عن نتنياهو بالصحافيين الاجانب آنذاك: "جاراتنا تقاتل للقضاء عليها"... "نعلم ان التنازل يعني الموت ويعني خراب سيادتنا وخرابا ماديا لشعبنا كله". وقالت في الكنيست: "هذه حرب على حقيقة وجودنا دولة وشعبا". ولكنها آنذاك ايضا لم تسوِ أنور السادات وحافظ الاسد بالنازيين.
حدث التغيير مع الانقلاب السياسي وتولي مناحيم بيغن الحكم في العام 1977. فلم يكد والد الليكود ينجو من المحرقة التي قتل فيها ابناء عائلته إلا بصعوبة. ويرى كاتب سيرته الذاتية، شلومو نكديمون، أن المحرقة اثرت في تصور بيغن العام اكثر من كل شيء. "يؤمن بيغن في سويداء قلبه خلافا لاسرائيليين آخرين يرون المحرقة نوعا من كارثة تاريخية وقعت مرة واحدة لا تكرار لها، يؤمن ان درس المحرقة هو ان الشعب اليهودي يجب أن يدافع عن نفسه في ارضه كي يمنع خطرا جديدا على وجوده". فقد اعتاد بيغن بالمزاج نفسه ان يسوي ياسر عرفات بهتلر ووصف قصف المفاعل الذري العراقي بانه عملية لمنع المحرقة التي خطط صدام حسين لانفاذها في الشعب اليهودي.
بدا قصف "اوزيراك" في العام 1981 نقط تحول بدأت الرسالة تستوعب معها في الجيش الاسرائيلي ايضا. فقد وصف العميد "احتياط" يفتاح سبكتور، اكبر الطيارين الذين شاركوا في العملية في مذكراته، لقاء بين افراد الدفعة بعد عشرين سنة فاجأه فيه احد شباب المقاتلين وهو ريلك شبير حينما روى كيف تذكر جده وعمته اللذان قتلا في معسكر التجميع شتوتهوف قبل الاقلاع الى بغداد. ولم يفكر الطيارون القدماء في العملية ومنهم ابناء العائلات النبيلة للمستوطنات الاصلية ذلك التفكير.
منذ ذلك الحين والى اليوم سيطرت تحذيرات المحرقة على الخطابين السياسي والعسكري. وكلما قويت اسرائيل من جهة سياسية وعسكرية واقتصادية اصبح قادتها وزعماؤها اكثر خوفا وبلغ هذا الامر ذروته في ايام نتنياهو. والسؤال هو هل يوجه الخوف فضلا عن الخطابة نحو الداخل والخارج، السياسة، وهل هو الذي سيحث نتنياهو وغانتس وايشل على الهجوم على المنشآت الذرية في ايران.