السياسي الفلسطيني الوحيد الذي قدره ضباط الجيش الاسرائيلي

بقلم: عاموس هرئيل

وجد سياسي واحد فقط في المنطقة، تحدث عنه كبار قادة الجيش الاسرائيلي بتقدير حقيقي في السنوات الاخيرة، ليس هو رئيس وزراء اسرائيل ولا سلفه في منصبه، بل هو رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض. ان فياض الذي أعلنت السلطة يوم الاحد انها عثرت على بديله، هو وطني فلسطيني بجميع جوارحه ومع كل ذلك يبدو أنه يصعب ان نفكر في سياسي اجنبي آخر اسهم في الاونة الاخيرة اسهاما جد كبير في أمن اسرائيل اكثر منه خاصة شعور المواطنين الاسرائيليين بالامن الشخصي. كان يمكن طول تلك السنين ان نسمع الثناء على فياض على ألسنة نحو من عشرة ضباط كبار كانت لهم صلات به.

هذا اسهام بقي في اكثره خفيا. فقد كان فياض شديد الحذر من الا يُرى متعاونا مع اسرائيل. اما حكومتا نتنياهو واولمرت فلم يكن يريحهما ان تبدوا بمظهر المتكلتين على السلطة الفلسطينية في مسائل أمنية، ولكن الحقائق تبقى كما هي، فبعد أن صد الجهد المشترك بين الجيش الاسرائيلي والشاباك الهجوم الارهابي من الانتفاضة الثانية، كان التنسيق الجديد الذي نشأ مع اجهزة الامن الفلسطينية هو الذي ضمن استمرار الهدوء وجعل السنوات الاخيرة هي الاكثر أمنا منذ نشوب الانتفاضة في سنة 2000، في الضفة الغربية وفي داخل الخط الاخضر.

كان فياض الذي تولى عمله في 2007 هو الذي قاد المسيرة؛ فقد سيطر على الاجهزة المتنافسة، فاعاد القانون والنظام الى شوارع جنين ونابلس. وبعد بضعة اشهر من اختيار فياض قاد قائد منطقة المركز آنذاك غادي شمني هجوما واسعا على البنية التحتية المدنية لحماس في الضفة (‘الدعوة’). وقال رئيس الوزراء الفلسطيني للاسرائيليين انه سيتولى زمام الامر في هذا المجال. قطع الجيش الاسرائيلي الجهد في الحقيقة وكانت السلطة الفلسطينية لا اسرائيل هي التي صدت نجاح حماس في الضفة، بعد وقت قصير من اتمام المنظمة الاسلامية سيطرتها على قطاع غزة.

يقول العقيد (احتياط) رونين كوهين الذي كان قائد استخبارات قادة المنطقة في تلك الفترة، ان الاسرائيليين تأثروا من قدرة فياض على تحريك النمو الاقتصادي الفلسطيني من جديد، وكسب ثقة الدول المانحة وقيادة مسار واسع ببناء مؤسسات الدولة المستقبلية من اسفل الى اعلى. ويعتقد كوهين أن فياض جلب الهدوء الى الضفة اكثر من اي انسان آخر. ‘حينما تولى عمله كنا ندعوه ‘تكنوقراط’. وتعلمنا بالتدريج ان نقدر حضوره على الارض ومشاركته في كل ما يجري ونفوذه الى معرفة التفاصيل. ويصعب ان نؤمن بان شخصا ما يستطيع أن يملأ هذين النعلين الكبيرين’.

يفترض أن يقدم الدكتور رامي الحمدالله رئيس الحكومة الجديد، الى الشخص الذي عينه وهو رئيس السلطة محمود عباس (ابو مازن)، صيغة اشحب من فياض، من غير النقص الاكبر لرئيس الوزراء التارك في نظر عباس هذه المرة وهو استقلاله ورفضه الاستسلام لاملاءات فتح التي هي حركة الرئيس. يعد الحمدالله شخصا معتدلا وليس له ماض قتالي في صفوف النضال الفلسطيني ـ وهذا شيء سيحببه، بسهولة نسبية، للغرب في المستقبل. لكنه في المقابل ليست له تجربة اقتصادية تشبه التجربة التي أتى بها معه فياض، ويشك في أن يكون أوتي الشخصية القوية الحضور التي اظهرها سلفه كلما زادت ثقته بنفسه في منصبه.

كان ثمّ من قدروا في اسرائيل، الى أن كان اعلان التعيين المفاجئ يوم الاحد، ان عباس وفياض سيبحثان طريقة للتغلب على الاختلاف بينهما. لكن يبدو أن عباس فضل آخر الامر انفاذ اعلان استقالة فياض قبل نحو من شهرين. وقد تكون في القرار اشارة مزدوجة الى حماس التي طالبت منذ وقت برأس فياض بان رئيس السلطة مستعد اولا بالتقدم في مسار المصالحة بين الحركتين، وثانيا انه سيستعين وقت الحاجة بخبرة رئيس الوزراء الداخل (الذي كان يتولى رئاسة لجنة الانتخابات الفلسطينية) ويهيئ للانتخابات، وهذا تطور يبدو ان حماس تخشاه. لكن لا ينبغي الى الان أن ننفي احتمال ان يدعى فياض للعودة الى الصورة بعد ذلك اذا ساء وضع السلطة، رغم المعارضة الشخصية له بين ناس فتح ايضا. يحدث كل ذلك بالطبع على خلفية توسيع التدخل الامريكي في المسيرة السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين. وقد نشرت مجموعة متابعة الازمات الدولية في الاسبوع الماضي تقريرا عن الوضع الداخلي في السلطة الفلسطينية.

يتميز التقرير بتشاؤم حذر وهو لا يتوقع نشوب انتفاضة ثالثة على الفور في المناطق، لان لكثيرين من سكان الضفة مصلحة شخصية قوية في اعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني بعد الانتفاضة. وفي مقابل ذلك يحذر خبراء المجموعة من استمرار ضعف السلطة.. في وقت تكثر فيه من مصادر قوتها الاصلية. ويحذرون من أن الجهد الامريكي، خاصة تحريك المحادثات من جديد قد يفضي اذا فشل الى تعجيل الصدام التالي مع اسرائيل، وهذا بالضبط نفس التطور الذي يريد وزير الخارجية الامريكي جون كيري ان يمنعه بعرض مبادرته الجديدة.

حرره: 
م.م