مساهمـة اليسار في توطـيد دعـائـم الاحتلال

بقلم: نوعام شيزار

كلما ارتفعت قوة المستوطنين أخذ حل الدولتين يذوي، وبدأ في اليسار الاسرائيلي يتجذر جو من الانهزامية وانعدام المسؤولية. المرة تلو الأخرى يمكن قراءة مقالات تشكو من الشكل الذي اختطفت به "أقلية" من المستوطنين السفينة الإسرائيلية وجرتها بالقوة وبالأحابيل إلى المغامرة الاستعمارية في "المناطق". هذا النوع من الكتابة، الشعبي على نحو خاص في "هآرتس" (لكن الموقع أعلاه انجرّ إليه هنا وهناك)، لا يقرب ميلمترا واحدا نهاية الحكم العسكري في "المناطق" – وبالتأكيد لا يقرب السلام – ولكنه يخلق حجة غيبة مريحة للخاسرين. اذا لم نتمكن من انهاء الاحتلال، فعلى الاقل نقنع أنفسنا بانه ليس بذنبنا.

حقيقة يجب ان تقال: الاحتلال مشروع إسرائيلي يشارك فيه كل أجزاء المجتمع، كل بطريقته: بالتطويرات التكنولوجية، بالضرائب، بتمثيل السياسة الاسرائيلية في ارجاء العالم، بالموافقة الصامتة او بغض النظر. كلنا ساهمنا، كلنا مسؤولون.

في السنوات الحرجة لتأطير الاحتلال شارك اليسار مشاركة مهمة، يرفض زعماؤه حتى الان تقديم الحساب عليها. فالمستوطنات الاولى نالت مباركة ودعم دوائر واسعة في الجمهور وفي الساحة السياسية. وفي الشهر القادم، في احتفالات يوم الميلاد المنتفخ لرئيس الدولة، سنسمع غير قليل من الهذر عن السلام، ولكن من المشكوك فيه أن يذكر أحد الشجرة التي غرسها وزير الدفاع في حينه، شمعون بيريس، في مستوطنة عوفرا. كما أن ضم أكثر من عشرين مدينة وقرية من الضفة الى القدس الشرقية ووهم "المدينة الموحدة" لم يولد في متسودات زئيف (مقر الليكود). الجدال بين اليمين واليسار لم يكن ابدا على وجود المستوطنات، بل فقط على مكانها وزمانها.

قوة المستوطنين الصاعدة ليست سبب الاحتلال، بل نتيجته المحتمة. فكل فلسطيني يعرف بان المشكلة المركزية في حياته ليست المستوطنين بل الجيش، ولكن معظم اليسار لم يجرِ أبدا حساباً للنفس على موقفه من الجيش الاسرائيلي وعن الاعجاب بجنرالاته. ببساطة، ما أن تنم المهام عن رائحة أقل جودة بقليل، حتى نجد أن ابناءه يتبخرون بهدوء من العمود المركزي للجيش الاسرائيلي. من كانوا مستعدين للمقاومة الفاعلة للخدمة في "المناطق" بقوا أقلية، ومعظم زعماء اليسار حرصوا دوما على التنكيل بهم.

ينبغي أن نرفع القبعة امام اليمين على استعداده للرفض الجماهيري حين تتضرر قيمه الاساس؛ لو كان اليسار يحمل فكرا صحيا كهذا لكان الاحتلال انتهى منذ زمن بعيد. ولكن معظم اليسار الاسرائيلي استبدل منذ زمن بعيد المقاومة الفاعلة بنبذ المستوطنين – طقس تطهري جماعي يرمي الى البث للعالم ولانفسنا كم نحن لطفاء وجميلون، وانه فقط بذنب مجانين التلال علقنا في هذه المشكلة.

فكرة أن المستوطنين وحدهم مسؤولون عن الاحتلال تؤدي الى فكرة بموجبها هم وحدهم يجب أن يدفعوا ثمنه. ولا توجد مشكلة لاي احد من اليسار مع مقاطعة المستوطنات، ولكن يكفي أن يلغي نجم روك متقاعد حفلة في تل أبيب احتجاجا على السياسة الاسرائيلية، حتى يسمى الامر لا ساميا. وهكذا ايضا في فهم "الحل السياسي"؛ فاخلاء عشرات ومئات الاف الاشخاص من منازلهم يعتبر في اليسار الصهيوني موضوعا منطقيا ومطلوبا، بينما اعادة بضع عشرات أو مئات الاف اللاجئين الى اسرائيل، الى اراضي الكيبوتسات او- لا سمح الله- تل أبيب تبدو انحرافل عقليل. وليس المقصود القول إن اخلاء المستوطنات هي بالضرورة أمر محظور او حق العودة هو امر مقدس، ولكن يوجد هنا شيء غير نزيه في مطالبة جمهور ما بالتضحية بعالمه، ومن كل الاخرين الاكتفاء بالعناقات الزائفة وبدموع التماسيح.

لقد حان الوقت لاستبدال كراهية الاحتلال بكراهية المستوطنين. والسؤال ما الذي نحن مستعدون للتضحية به وليس "من". هذا نهج لن يكون فقط نزيها واخلاقيا أكثر، بل ناجع ايضا. ومن يدري، فلعل بضعة مستوطنين ايضا سيوافقون على المشاركة فيه.