ائتلاف مشوّش

بقلم: سيما كدمون

لنبدأ بمراهنة، أو لمزيد الدقة، بتكهّن مدروس. بنيامين نتنياهو وموشي كحلون لن يجتمعا سوياً في حزب بعد اليوم. أو بكلمات أخرى: طالما أن نتنياهو يقود الليكود، فكحلون لن يكون هناك. عملية الانفصال هذه لم تبدأ هذا الأسبوع، حينما أبلغ نتنياهو كحلون أنه لن يمنحه منصب رئيس دائرة أراضي إسرائيل كما سبق ووعد الجمهور الإسرائيلي عشية الانتخابات. لقد بدأت قبل ذلك، في تشرين الأول للدقة، حينما أعلن كحلون انسحابه من الحياة السياسية. في فترة الانتخابات حاول نتنياهو أن يستخدم كحلون في كل مناسبة، حيث جرّ الوزير صاحب الشعبية إلى جانبه في المهرجانات وعانقه رغماً عنه لدرجــة قال لمقرّبيه إنه قــد يتقــدّم بشكوى تحرّش ضد نتنياهو، وصولاً لعرضه على كحلون تعيينه وزيراً للإسكان في حكومته المقبلة أو حتى وزير مالية. وعندما رفض كحلون كل العروض، جاء ذلك المؤتمر الصحافي الواهم قبل يومين من الانتخابات، حينما أعلن نتنياهو على الملأ أن كحلون سيكون رئيس إدارة أراضي إسرائيل في حكومته المقبلة. وهذا لم يكن إعلان «إذا» و«ربما»، وإنما وعد انتخابي صريح، رغم أنه كان مشكوكاً فيه من ناحية توقيته. كحلون أراد المنصب. وفي مقابلة أجريتها معه قبل حوالي شهر في هارفرد، روى أنه يخطط، يقرأ أكواماً من الكتب والمقالات والتقى مع خبراء لهم خبرة كبيرة في مسألة الإسكان. كحلون قال إنه يميل لإشغال المنصب تطوعاً، وأنه يرى فيه الخطوة الكحلونية المقبلة، الإصلاح الأهم الذي تحتاج حكومة إسرائيل لتنفيذه في هذا الوقت.

ورغم ذلك، بقي واعياً. كأنه كان يعرف أنه كرة أخرى يرميها نتنياهو في الهواء وأن فرصته في السقوط مثل كرات أخرى كبيرة نتنياهو يلعب بها. صحيح أن الوعد غدا جزءاً من الاتفاق الائتلافي، الذي نص صراحة على أن موشي كحلون سيغدو رئيس الإدارة، لكن الاتفاقات شيء والواقع شيء آخر.

في حوار دام ساعتين ونصفاً، جرى بينهما هذا الأسبوع، أوضح نتنياهو لكحلون أن شركاءه الائتلافيين لا يسمحون له بتنفيذ الاتفاق. بل أنه اتصل بحضور كحلون بالمحامي دافيد شمرون، كي يصادق على كلام نتنياهو ويوضح له سبب استحالة ذلك. ولكن كحلون يعرف دهاليز السياسة جيداً وبالقدر نفسه على الأقل يعرف نتنياهو. وهو يعرف أنه لم يتسلّم المنصب ليس بسبب أن الشركاء الائتلافيين لا يريدونه - بالمناسبة، بينت ولبيد أبلغاني هذا الأسبوع أنهما لا يعترضان على كحلون - وإنما لأنه من أجل حدوث ذلك، كان ينبغي لنتنياهو أن يفعل ما وعد كحلون بفعله، وهو الاهتمام بأن إدارة أراضي إسرائيل ستنتقل لديوان رئاسة الحكومة. وكحلون يعرف أنه لو أصر نتنياهو على ذلك أثناء المفاوضات الائتلافية، ولو أنه منح شركاءه أي مقابل جوهري للإدارة، لو أنه أصرّ على أنه وعد بذلك وهو ملتزم أمام جمهوره ولن يخلّ بالوعد - لتقرر ذلك.

قال كحلون لنتنياهو، أنا لست غاضباً، أنا أفهمك، لا شكوى عندي، وسأواصل المسير. ولكن عندما عرض نتنياهو على كحلون التنافس على منصب رئيس مركز الليكود لولاية أخرى، رفض كحلون. وأبلغ نتنياهو بصراحة نيته عدم التنافس. وهذا ليس بالأمر الهيّن. فهذا منصب يتيح القفز بشكل ممتاز لمن يريد التنافس لاحقاً على قيادة الليكود، خصوصاً إذا كان ترك منصباً وزارياً أو عضوية الكنيست. كان ردّ كحلون قاطعاً، وربما أن الرسالة كانت: عملية انفصال كحلون عن نتنياهو تمّت. الاثنان لن يكونا ثانية تحت سقف واحد.

 

2 مشاكل اليمين

 

ليس صدفة أن حمّل نتنياهو شركاءه الائتلافيين المسؤولية. وهو حتى لم يتظاهر بأن ائتلافه يسير جيداً تحت قيادته. ويبدو أنه عندما يكون مريحاً له، يستخدم شركاءه غير المنضبطين وأحياناً، كما في خطابه في الكنيست، يُسمى ذلك «آلام ولادة»، بزعم أن هذا يظهر في كل ائتلاف جديد.

وهو محقّ. لم يتشكل ائتلاف ينال في شهره الأول توصيف «أعطاب في الائتلاف». وأيضاً في مستهلّ ولايته السابقة، لائتلاف منسجم مع رئيس ذكي وقوي، حينما لم يكن لديه من ينافس على رئاسة الحكومة وكان الجميع يريد الاحتشاد تحت جناحيه، قررنا أن الائتلاف لا يعمل جيداً.

ومحقون أيضاً من يزعمون أن هذا تشكيل ائتلافي إشكالي، وجوده مرتبط بكل واحد من مكوّناته وكل واحد يفعل ما يشاء. ائتلاف كل رئيس كتلة فيه يرى نفسه رئيس الحكومة المقبل ويمكنه أن يقرّر في كل لحظة تفكيكه.

والسخافة في كل هذه المسألة تكمن في أن أي شريك في الائتلاف لا يرغب حقاً في تفكيك الحكومة. لا لبيد، ولا بينت وبالتأكيد ليست ليفني. لا مصلحة لأي منهم في هذه المرحلة بالذهاب للانتخابات. لبيد وبينت لا يزالان بعيدين عن إثبات نفسيهما، ولليفني أسباب للحفاظ على ما أنجزته. لذلك، كل ما ينبغي لرئيس الحكومة فعله هو الطرق على الطاولة وإبلاغ شركائه بأن هذا لا يمكن أن يستمرّ.

وبدلاً من ذلك ما رأيناه في الأسبوعين الأخيرين في الليل، ومن خلف ستارة التصويت وفي المداولات في اللجان، هذا ليس ائتلافاً يعمل. إنه ائتلاف مشوش.

وعلى سبيل المثال، نجـاح المعارضــة في لجــنة تعيـين القــضاة. في تصويت سري، جرى يوم الاثنين في الكنيست، لم يفز مرشح الائتلاف دافيد روتام، رغم التوجيهات الواضحة التي تلقاها أعضاء الائتلاف بدعمه. وانتخب بدلاً منه اثنان من المعارضة، نشيطان ومحبوبان، نشيطان ويستحقان: اسحق هرتسوغ من حزب العمل وايتسيك كوهين من شاس.

في الأسابيع الأخيرة أشعر كأننا في «بيت من ورق»، ولكن من دون جنس، كما قال هرتسوغ هذا الأسبوع، في إشارة للسلسلة التلفزيونية الكثيرة المؤامرات والألاعيب. وقد انتخب هرتسوغ بعد أن أفلح في عقد صفقة تقضي بأن ينتخب حزب العمل دافيد روتام من «إسرائيل بيتنا»، وبالمقابل يدعم الليكود بيتنا ترشيحه. وتمّ تنفيذ نصف الصفقة: فوز هرتسوغ. ولكن بدلاً من انتخاب مرشح الليكود فاز مرشح شاس ايتسيك كوهين بدلاً من روتام وانتخب إيلي يشاي للجنة تعيين قضاة الشرع الديني. يمكن القول إنه تم انتخاب أناس محبوبين، بعكس روتام، الرجل الذي لا يطيقه معظم أعضاء الكنيست.

ومن الواضح تماماً أن ما منع نجاح روتام واقع أن قسماً من أعضاء الائتلاف لم ينفذوا توصية رئيس الائتلاف. ولمصلحة ياريف لفين نسجّل أنه حذر رئيس الحكومة مما سيجري بل وتشاور مع رئيس الائتلاف السابق، زئيف ألكين. ولكن تبين أنه لا يمكن فرض صفقات على الائتلاف، خصوصاً عندما يكون التصويت سرياً.

وليبرمان وروتام من الناس الذين يحملون ضغينة، وحتى لو لم يكن هذا منصباً هاماً سياسيا بشكل مثير، فإنه بالتأكيد أحد الأسباب التي دعت لفين للقول هذا الأسبوع بأنه هكذا تستحيل إدارة الإئتلاف.

وقال لفين هذا الأسبوع، تحديداً كان التصويت على روتام أكثر من شيء شخصي. المشكلة هي أن الأمـور واقفة بدلاً من أن تتحرك بتعاون. وزراء يقدمون استئنافات، أحزاب تستخدم حق الفيتو على قوانين، شجارات وصدامات في كل موضوع بشكل يومي على أمور يمكن حلها في حـوار قــصير مع نية حسنة. وهو يقول: ثمة ثغرات أيديولوجية. رؤساء الأحزاب ممن يرون أنفسهم بدلاء رئيس الحكومة، ائتلاف يحاول تمرير قرارات في شؤون غير بسيطة، وفي الأساس انعدام خبرة يترك أثراً على كل شيء. فهذا ائتـلاف نــشأ بفيتو استخدمته كتلتان. هناك حاجة هنا للعبة جماعية. استعداد للتنازل. للمساعدة. ظننت أن من الأفضل أن أضع مرآة أمام الناس. أن أقول لهم إذا استمر الحال فسنتلقى ضربات.

والتقى لفين هذا الأسبوع للتحاور شخصياً تقريباً مع كل عضو في الائتلاف، من رؤساء الأحزاب إلى أعضاء الكنيست. وهو يقول، إن قسماً منهم اعترف بأن هذا السلوك غير مقبول.

والواضح أن اليمين يواجه مشكلة. في الكنيست السابقة كان لمعسكر اليمين 65 مقعداً فضلاً عن مقاعد عدة لرجال كديما ممن وقفوا على الجدار. في الكنيست الحالية نال اليمين 61 نائباً، انقسموا بين ائتلاف ومعارضة. والليكود يعاني من مشكلة بنيوية حيث لا يملك إلا 20 عضو كنيست فقط، قسم منهم خائب. والفجوة في التصويتات بين المعارضة والائتلاف تبلغ أحياناً 5-6 أصوات. وإذا أضفنا ثلاثة متمردي الليكود، ممن يصوّتون وفق ضمائرهم، روبي ريفلين، موشي فايغلين وحاييم كاتس، فإن هذا العدد إشكالي. لذلك يجهد رئيس الائتلاف كثيراً. إحدى مهماته هي: فحص أين يوجد الناس. متى يصلون للتصويت ومن يضع العصي في الدواليب؟

كما أن رئيس الحكومة يناور بصعوبــة. إذ لا يمكــنه الانشغال طوال الوقت بأعمال الصيانة. ولكنه يحرص على القدوم أكثر للكنيست، كي يكون قدوة. وجلسات الكتلة صارت أكثر جوهرية وقصيرة، كما يحب ليبرمان، أساساً جراء قلة الوقت.

إن فشل روتام هو مثال أول على ما قد يقع في هذه الولاية لتصويتات اليمين. وقال هذا الأسبوع مصدر كبير في الليكود، إنه إذا كانوا في الولاية السابقة نجحوا في تمرير مواضيع ذات طابع يميني فإن هذا مستحيل اليوم. وكل ذلك نتاج قرار بينت بالسير مع لبيد وليس مع الحريديم.

حرره: 
م.م