دول الخليج والاسلام السياسي

بقلم: يوئيل جوجانسكي

يزعم استطلاع، نشره مؤخرا معهد "بيو" للبحوث، بأنه توجد في الشرق الاوسط أغلبية تؤيد جعل الشريعة قانوناً للدولة. ورغم الخلافات في المناهج بشأن أي جوانب من القوانين الاسلامية يجب أن تتبع وعلى من تنطبق، فان اغلبية كبيرة في المنطقة، هكذا حسب الاستطلاع، تفضل ان ترى علاقة وثيقة أكثر بين السياسة، الحكم، والاسلام، وتحتفظ بالاعتقاد بأن القرآن والحديث يجب أن يحكم المجتمع والحكومة. لا يفترض بالنتائج أن تكون مفاجئة. فمؤيدو الاسلام السياسي كـ "الاخوان المسلمين"، والاحزاب التي تدور في فلكهم وكذا حركات مشابهة، أثبتوا بأنهم شعبيون للغاية، ويشاركون بحجم واسع في الهزة الإقليمية وآثارها.

تبدو دول الخليج العربية مستقرة، على الاقل مقارنة بعموم المنطقة. ومع ذلك، فان الهياكل السياسية والاقتصادية في دول الحكم المطلق تشهد ضغطا تتحدى فيه أجزاء لا بأس بها من السكان النخب الحاكمة. فالسعودية، اتحاد الامارات، الكويت، البحرين، قطر وعُمان وقفت منذ الآن امام حركات معارضة مختلفة على مدى السنين. ولكن في معظم الحالات لم تنجح هذه الحركات في الانتشار، ومالت لأن تمثل اجزاء ضيقة جدا من السكان. ومن خلال جملة من استراتيجيات البقاء الداخلية والخارجية نجحت الانظمة في الحفاظ على الاستقرار.

تعزز العنصر الديني ليس أمرا جديدا في المنطقة. ورغم ذلك فان سلوك بعض الانظمة الملكية يدل بوضوح على التخوف المتزايد من التهديدات من جهة الاسلام السياسي على مواصلة حكمها. وتتراوح الامثلة من المحاكمة المتواصلة لنحو مائة من اعضاء "جمعية الإصلاح" المتماثلة مع "الاخوان المسلمين" في اتحاد الامارات، ممن اعتقلوا في السنة الاخيرة (قبل ذلك أعلنت السلطات عن اعتقال "خلية للاخوان المسلمين المصريين" دربت محليين على الانقلاب ضد النظام)، وحتى حل البرلمان الكويتي الذي انتخب في شباط 2012 وكان متأثراً بالقوى الاسلامية وشبه الإسلامية. وذلك، خلافا لقطر، التي وان كانت لا تحكمها حركة الاخوان المسلمين، فانها متماثلة وداعمة لأفكارها (فالامارة تبقي في نطاقها منذ الستينيات على يوسف القرضاوي الذي وإن كان لا يتبوأ مكانة رسمية في الحركة الا أنه معروف بصفته المرجعية الدينية الأيديولوجية العليا لـ "الإخوان").

حتى الان تخدم المقارنة بين الاحداث التي المت بالدول، التي اجتازت الهزة في الشرق الاوسط، وبين الوضع في الانظمة الملكية، الحكام على "اقناع" رعاياهم بأنه من الافضل لهم أن يواصلوا احترام العقد غير المكتوب، الذي تعمل بموجبه هذه الدول – الحكم يوفر ويدعم معظم الخدمات – مقابلها لا يطالب المواطنون بالمشاركة السياسية. ولكن، على مدى الزمن فان نجاح الانظمة الجديدة في مصر وتونس قد يؤثر على الانظمة الملكية ويظهرها كمعارضة للديمقراطية. ثانياً، وعدت الانظمة الملكية بقدر كبير من التغييرات الدستورية، ونفذت القليل جدا. ويبدو أنه في المرة القادمة لن تكفي الوعود أغلب الظن، إذ يتعين عليها أن تتقدم "بخارطة طريق" لتنفيذ الاصلاحات السياسية، وتتجاوز مجرد الضريبة الكلامية.

ويرتبط الخوف المحدد من مؤيدي الاسلام السياسي بحقيقة أنهم يقترحون طريقة بديلة للمباني السلطوية القائمة، توفر اطارا سياسيا الى جانب الشرعية الدينية. وليس الاسلام السياسي مجرد امكانية لطريقة بديلة – فالديمقراطية الغربية هي أيضا هكذا – وهو ليس مجرد منافس للاساليب القائمة التي تدمج الاسلام بالدولة – كالعلاقة بين عائلة آل سعود وبين المؤسسة الدينية الوهابية – بل انه تهديد للنظام القائم. وبتعبير آخر، فانه بسبب العنصر الديني الذي فيه ولما كانت العديد من الحركات تدعم انتخابات ديمقراطية وتشارك فيها، فانه يعرض بديلا حقيقيا وناجعا للقيادة الحالية، التي أثبتت نفسها قادرة على اسقاط حكومات في دول كمصر وتونس. ورغم أن زعماء اسلاميين أبدوا البرغماتية انطلاقا من الاضطرار فليس من المسلم به ان يبقى هذا الوضع. من المعقول أن تواصل دول الخليج سياسة الخارجية والداخلية التي طبقتها منذ بداية "الربيع العربي" في محاولة لمنع الاضطرابات وتعطيل عناصر التهديد، استقرار الحكم، ومحاولة التأثير بقدر الامكان على العنصر الاسلامي كسياسة اخرى. تمنح السعودية مساعدة لمصر، وبالتوازي تحاول إبعاد "الاخوان المسلمين" عن الائتلاف الرسمي للمعارضة السورية، وتساعد الاردن الذي يقاتل هو أيضا ضد الاسلام. ومع ذلك، تؤدي هذه السياسة تجاه العناصر الاسلامية الى التوتر بين دول الخليج وتخلق صدوعا في غلاف الوحدة نتيجة للربيع العربي (والذي وجد تعبيره مثلا في المعارضة المشتركة للقذافي والاسد). ويمكن لهذه الخلافات أن تثقل على من له مصلحة في تشكيل جبهة موحدة ضد عدو مشترك. من الأمثلة على ذلك المصاعب التي تواجهها الادارة الاميركية في محاولتها لبلورة جبهة سنية موحدة. والدليل أنه رغم التأييد العام الذي قدم للمعارضة السورية، تجد الدول صعوبة في الوصول الى التوافق فيما بينها على العناصر المعارضة السورية التي ينبغي دعمها.

ولا تبدي دول الخليج ارتياحها من انجازات "الاخوان" ويتغذى هذا الشك في السعودية بعلاقات المنافسة والتوتر الشديد بين المدرسة الوهابية و"الاخوان المسلمين"، والتي تجد تعبيرها على مدى السنين في الهجمات المتبادلة. ومع أنه في الخمسينيات والستينيات وجد العديد من "الاخوان المسلمين" ملجأ من وجه القومية العربية في نطاق المملكة الا ان الاسرة المالكة السعودية بقيت متحفظة عليهم (لم تسمح لهم باقامة فرع في المملكة)، وبعد تأييد "الاخوان المسلمين" لغزو الكويت ولا سيما في سنوات ما بعد عمليات 11 ايلول 2001، مالت الى الحديث علنا وبشدة ضدهم. وفي السياق السوري، مع ان السعوديين معنيون بأن يسقط الاسد كسبيل لاضعاف ايران الا انهم يخشون، وان لم يكونوا يعربون عن ذلك علنا، من صعود محافل اسلامية متطرفة كـ "الاخوان المسلمين"، الامر الذي من شأنه أن يؤدي الى نشوء كتلة "خضراء" من الدول التي تقودها هذه الجماعات الإسلامية.

كجزء من محاولتها صد الاسلام السياسي نفذت الانظمة الملكية اعتقالات وقائية، تدخلت في اجهزة القضاء واحبطت قدر الامكان اعمال المجتمع المدني. كما تستخدم السلطات القرآن لتبرير حظر الاحتجاجات ومطالبة المواطنين بطاعة زعمائهم. غير أن الثورات في المنطقة لم تعط فقط الامل لمواطني دول الخليج والحركات المحلية، التي سعت الى الاصلاح السياسي، بل تجعل من الصعب على الانظمة مواصلة تصوير معارضيها كـ "اعداء للشعب" حتى وان كان لهم اجندة اسلامية.

حتى لو تشكلت جبهة موحدة من دول الخليج تجاه "الإخوان المسلمين" أو تجاه حركات مشابهة تمثل صيغة الاسلام السياسي فان هذا لا يضمن الحصانة ضد شعبية هذه الحركات. وبالمقابل، فان فشل الحركات الاسلامية يمكن أن يساعد الانظمة الملكية في اقناع رعاياها بأن البديل ليس جذابا أو قابلا للعيش. حتى الان فإن السؤال "اين كنت تفضل أن تعيش، هنا أم هناك؟" هو بالفعل حجة مقنعة، ولا سيما في ضوء الوضع الصعب لمصر. ومن جهة اخرى، فان نجاحا محتملا للحركات الاسلامية سيطرح بديلا للوضع الراهن السياسي القائم في الخليج. عملياً، من المعقول أن الديمقراطية العلمانية التي تحقق نجاحا ستكون أفضل في نظر الانظمة الملكية في الخليج من نجاح مشابه تحققه حركة بقيادة إسلامية.

حرره: 
م.م