"النادي الذهبيّ" الإسرائيلي لتجارة السلاح

بقلم: أوري مسغاف
قبل بضعة أسابيع، في حماسة الجدل حول ميزانية الدفاع، دخل في المعركة اسم اللواء احتياط غيورا آيلاند. فعلى أثر زعمه أنه يمكن الاقتطاع من الميزانية اقتطاعا عميقا، نسب اشخاص مجهولون في الجهاز الى موقفه بواعث مرفوضة هي الانتقام وخيبة الأمل، لأنه لم يستطع الحصول على رخصة تصدير أمني. وكانت المفاجأة الكبرى في مصارعة الوحل هذه، من وجهة نظري، أن آيلاند الذي كان في الماضي رئيس شعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي ورئيس مجلس الامن القومي يريد أن يشتغل الآن بتجارة السلاح. لكنني تذكرت مبلغ كوني، مثل أكثر الاسرائيليين، غارقاً في ظلام السذاجة والجهل والانكار.
يوجد مواطنان اسرائيليان مثاليان على الأقل يطلبان إلينا أن نستيقظ على الواقع. فقد أنتج السينمائي يوتام فيلدمان فيلم "المختبر"، وهو فيلم توثيقي عن صناعة السلاح الإسرائيلية. ومن جملة ما يوصف فيه الانتقال السريع لضباط كبار في الجيش الاسرائيلي الى الاشتغال بالتصدير الأمني. ويحصر العناية في هذا الجهاز القانوني، الذي يُمكّن هذا الانتقال، دون كي شوت آخر اسمه إيتي ماك، وهو محامٍ مختص بحقوق الانسان. فقد نُشر في صحيفة "هآرتس"، هذا الاسبوع، أن اسرائيل باعت باكستان ومصر والجزائر واتحاد الامارات والمغرب معدات أمنية في السنوات الخمس الأخيرة. وليست هذه الخمس السعيدات وحدها لأنه تظهر في وصفة التصدير الأمني الى جانبها 125 دولة اخرى، فاسرائيل الصغيرة هي من أكبر مصدرات السلاح في العالم.
رفع المحامي ماك استئنافاً في الآونة الاخيرة إلى المحكمة العليا، طالباً أن تأمر جهاز الامن بالكف عن اخفاء من يربح من هذا الأمر عن الجمهور. وهذا أحد الأسرار المحفوظة في الدولة، وهو سر من يعتبرون في النادي الذهبي الذي يمنح أعضاءه الحق في الاتجار بالسلاح الاسرائيلي.
يصعب ان نصدق، لكن هذه الغابة الكثيفة نُظمت دستورياً في العام 2007 فقط. وهي تشتمل الآن على 1006 شركات و313 مشتغلا مستقلاً. وأُصدر من أجلها الى اليوم نحو 19 ألف رخصة تسويق و8716 رخصة تصدير.
يدور الحديث عن حلقة مغلقة وعن ثلة من ذوي العلاقات من الضباط المتقاعدين يتمتعون بهذا الحق الزائد الذي يمنح لهم في الظلام ودون مدة تبريد.
انها علاقة مريضة بين المال والسلطة والأمن تستعمل عالما كاملا تحت الرادار العام. ولقد جرى "تنظيمها" في الحقيقة في إطار قانون الرقابة على التصدير الأمني، لكن هذا تنظيم جزئي جداً لأن التنظيم تم داخل أسوار الجهاز، ولأنه كذلك فهو لا يخضع لرقابة المجتمع المدني. حسبنا أن نذكر مثلاً ايهود باراك الذي كان رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة أركان ويتجه الى "التصدير الأمني" (أي الاتجار بالمعدات والخبرة) في كل مرة يحصل فيها على "عطلة" من السياسة.
لكن التأثير القيمي والاخلاقي لوجود كل اولئك المصدرين الممتازين يتجاوز كثيرا شؤون الادارة السليمة. لأن الجمهور الاسرائيلي لم يواجه قط بصورة عميقة حقيقة ان سلاحا اسرائيليا وخبرة عسكرية اسرائيلية واعدادا اسرائيليا تتدفق بلا انقطاع الى جميع أنحاء المعمورة. هذه حقاً هي ذراع الجيش الاسرائيلي الطويلة، وهي تبلغ كل مكان، ويشمل ذلك أشد نظم الحكم ظلاما وأكثر الصراعات قسوة. إن الصناعات الأمنية هي في الحقيقة عنصر حاسم في منعة الاقتصاد الإسرائيلي، فهي تُدخل مليارات من العملة الاجنبية، وتوفر آلاف اماكن العمل، لكن لها ثمنا.
إن معنى هذا النشاط هو ان اسرائيل تؤدي دور لاعبة مركزية في سباق التسلح العالمي. ويحدث هذا بسبب الطمع وبلادة الحس الاخلاقية اللذين يسهل جدا حفزهما حينما يتم كل شيء في الظلام. وعلى مر السنين ضعفت حتى القيود المتواضعة إلى درجة أن جهاز الأمن اليوم أصبح محتاجاً إلى جهات أكثر اتزانا تكبح جماحه، مثل بريطانيا التي حظرت على اسرائيل تصدير منظومات تشتمل على مركبات بريطانية الى روسيا وسيريلانكا وتركمانستان. ونحن نبيع طُغاة افريقيا ايضا سلاحاً بل إننا وصلنا الى ايران (هل تتذكرون ناحوم منبار؟). والشيء الأساس أننا في آخر النهار ما زلنا نهاجم قوافل وسفن السلاح في صيحات هجوم ونُجهد أنفسنا لإفشال صفقات آخرين ونعظ العالم كله في الاخلاق. فيا للعار.