العلاج الدبلوماسي لكيري لم يحقق تقدما

بقلم: باراك رابيد
مئات من الساعات الدبلوماسية استثمرها وزير الخارجية الامريكي جون كيري في المسألة الاسرائيلية الفلسطينية، منذ بدأ حملته المكوكية بين القدس ورام الله قبل ثلاثة اشهر. في اطار محاولاته كسر الطريق المسدود في المسيرة السلمية التقى كيري سبع مرات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) ومع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. أما عدد مكالماته الهاتفية مع الرجلين فقد كفوا في مكتب رئيس الوزراء وفي المقاطعة عن احصائه.
يمكن أن نشبه جهود كيري بعلاج الازواج، دبلوترافيا (العلاج الدبلوماسي). ولو كان يجبي من نتنياهو وابو مازن أجر ساعة عالم نفس رفيع المستوى، لكان يتعين عليه أن يزيد التقليص في ميزانية الدفاع. في هذه المرحلة يتم العلاج لكل واحد على حدة. كيري مقتنع بان معرفته الشخصية للمعالجين والثقة الكبيرة التي يكناها له ستتيحان له حملهما على الموافقة على الجلوس معا في ذات الغرفة والحديث مرة اخرى الواحد مع الآخر.
الغالبية المطلقة بين كيري وعباس ونتنياهو تجري ثنائيا. كل لقاء يستغرق بضع ساعات. خليط من المداولات الدبلوماسية وبين احاديث الروح، بين الاتصالات السياسية والتدريب على التمكين الشخصي. كيري يستمع كثيرا، يعطي تعزيزات ايجابية، يحاول تبديد المخاوف واثارة الدوافع.
كيري يشرح بانه يحاول أن يخلق لدى نتنياهو وعباس احساسا كبيرا قدر الامكان بالثقة بالنسبة للدخول الى المسيرة التي يحاول تحريكها. وهو يعمل على رزمة مبادئ وبوادر طيبة متبادلة تسمح باستئناف المفاوضات. وقال كيري في مؤتمر صحافي في الكويت يوم الاربعاء: ‘اني احاول خلق وضع يشعر فيه الطرفان بانه من المجدي لهما المجيء الى الطاولة. لا تزال حاجة الى بناء الضمانات، ينبغي التغلب على عدم الثقة وينبغي بلورة سلسلة من التفاهمات من اجل الامتناع عن خيبات الامل والاخفاقات الماضية’.
حتى الان، ، فالطرفان يبديان مرونة جزئية فقط ترمي اساسا الى ارضاء كيري ومنع وضع يلقى فيه الذنب بالفشل عليهما. وسبب ذلك هو أنه بين نتنياهو وعباس تفتح فاها هوة عميقة من الاشتباه والعداء، فالرجلان لا يصدقان كلمة واحدة تخرج من فم احدهما للاخر.
عباس يرى نتنياهو مخادعا يريد فقط بناء المستوطنات، كسب الوقت وتضليل كل العالم. نتنياهو غير مقتنع بان عباس هو على الاطلاق شريك للسلام. وهو يشتبه بان عباس يتآمر لكي يلقي عليه المسؤولية عن فشل جهود كيري، فقط كي يخرج بعد ذلك في حملة ضد اسرائيل في مؤسسات الامم المتحدة.
يشعر نتنياهو بانه نجح في اقناع كيري بجدية نواياه، ولكنه محبط من أن الفلسطينيين يرفضون الاقتناع. كل وزراء حكومة نتنياهو مقتنعون هم ايضا بان شيئا ما لديه تحرك. ليس انطلاقا من الايديولوجيا، بل انطلاقا من الخوف. فهو لم يقع في عشق الفلسطينيين ولم يصبح يساريا، ولكنه قلق من التهديدات بمقاطعة دولية وبعقوبات تشل الاقتصاد وتهرب المستثمرين. ‘اسرائيل تريد السلام ولا تريد دولة ثنائية القومية’، قال نتنياهو أمس. ‘ولكننا لن نوهم انفسنا بان الاتفاق مع الفلسطينيين سيصفي التشهيرات منفلتة العقال ضد دولة اليهود’.
وكان نتنياهو التقى أمس بكيري في وجبة عشاء على مدى ثلاث ساعات، ويا لها من مفارقة، في جناح اسحق رابين في فندق قلعة داود. في الغرفة المجاورة جلست وزيرة العدل تسيبي ليفني والمبعوث المحامي اسحق مولخو مع مستشاري كيري. وبين الحين والاخر كان يدعى واحد منهم لدخول الغرفة، ولكن معظم الحديث جرى هذه المرة ايضا ثنائيا.
ظهر اليوم يلتقي كيري ابو مازن في عمان قبل دخول السبت سيعود الى القدس للقاء آخر مع نتنياهو. كما ستصل الى عمان اليوم ليفني ومولخو ليلتقيا بكيري قبل اللقاء بينه وبين أبو مازن. خيال كيري ينصب على عقد لقاء على مستوى منخفض بين ليفني ومولخو وبين رئيس الفريق الفلسطيني المفاوض صائب عريقات، ولكن في هذه المرحلة لا يبدو أن الامر سيتم. اذا شعر كيري بانه حقق تقدما، فانه سيأتي الى القدس مرة اخرى، في منتهى السبت، ويلتقي مرة اخرى ايضا مع ابو مازن.
كيري لا يزال متفائلا، تجاه الخارج على الاقل، ويعتقد ان الخاضعين للعلاج لديه جديان. ‘ما كنت لآتي هنا خمس مرات لو لم اكن أؤمن بان هذا ممكن’، شدد هذا الاسبوع. ورغم أن كيري يبث الاحساس بان لديه الصبر فانه هو ايضا يقترب من اللحظة التي يتعين عليه فيها أن يقرر اذا كان سيرفع يديه، يستقيل من مهمة المعالج الدبلوماسي، وينتقل للانشغال بالعلاقات الامريكية المتدهورة مع الصين وروسيا. كيري هو الاخر ينتبه الى ان الرئيس اوباما يشك بفرص نجاحه ويمتنع منذ عدة اسابيع عن منحه اسنادا علنيا.
هذا الاسبوع تحدث كيري لاول مرة عن تاريخ موعد انعقاد الجمعية العمومية للامم المتحدة في نهاية ايلول/سبتمبر. حتى ذلك الحين يتوقع التقدم. اجازة الصيف في الولايات المتحدة، صوم رمضان واعياد تشري العبرية لا تدع كثيرا من الوقت. حتى الان فضل كيري التعامل مع نتنياهو وابو مازن بقفازات من الحرير بدلا من العلاج بالصدمة. يحتمل أن قريبا سيقرر ترك طريقة التعزيزات الايجابية لينتقل الى طريق النبوت.