تاريخ من العنف

بقلم: أمنون لورد

لا تقلقوا، فالمحللون شديدو الذكاء اكتشفوا التشبيه المناسب، ففيلم الاموات الاحياء الجديد، مكسر الصناديق ‘الحرب العالمية Z’، يرمز الى امكانية ان يكون هؤلاء الاموات الاحياء في الفيلم، هم في واقع الامر مسلمون، بل وربما عرب فلسطينيون. حتى هنا يصرخ هنا المدونون العرب. هذا فيلم مؤيد للصهيونية، كما يدعون، ويعزون حرف Z الى كلمة ZION، صهيون.

ولكن هنا وهناك، في صدوع الاعلام في الغرب، توجد توصيفات مشابهة لما يجري في الفيلم موضع الحديث هذا: جموع اسلامية معربدة تذبح في مصر الاقلية المسيحية، في سيناريو آخذ في الانتشار في مصر التي تنهار منذ سقوط مبارك.

في سورية وصل الوباء الى حد البربرية. في كل مكان تقريبا في العالم العربي الاسلامي الارض تغلي بالدم.

مثقفون شاركوا لسنوات في المجال الدبلوماسي الشرق الاوسطي ينشرون مقالات يأس. ليس لهم تفسير لما يجري في العالم العربي. بعضهم، مثل السيد ديفيد ميلر يتجرأون منذ الان على القول ان على العرب أن يبدأوا بفحص أنفسهم. ماذا حصل لثقافتهم؟ لماذا لا يتحرك هناك أي شيء، بينما حتى في اجزاء كبرى من افريقيا يوجد حراك. ناهيك عن الثقافات الغربية، واسرائيل من بينها.

ويشير ميلر الى عدة نقاط مبدئية بدونها تنهار الثقافات بالعنف البربري داخلها ولا تنجح في الحراك: الموقف من النساء كاختبار أعلى؛ فصل الدين عن الدولة بهذا الشكل أو ذاك؛ الحرية الاقتصادية؛ سلطة قانون قوية؛ الاعتراف بحقوق الفرد وحرية التعبير. واضح بان هذه آثار تاريخية تجثم على رقاب المجتمعات العربية. ولكن هذا بعيد عن أن يكون كل القصة، في ما يبدو كانتحار جماعي بثقافة كاملة، ولا سيما ما يجري في مصر وفي سورية.

يوجد تفسير آخر لوباء العنف في العالم العربي: وقوف العالم جانبا، وفي حالات عديدة الهتاف الذي يمنحه بشكل غير مباشر لانفجارات العنف. في عالم الاعمال الامريكي يوجد مفهوم يسمى ‘مخاطرة اخلاقية’، بنيت مصلحة تجارية وفشلت، وبالتالي فعليك أن تدفع الثمن. اذا انقذتك الحكومة، فان اخلاقيات عالم الاعمال تتضرر والاقتصاد بأسره يعاني.

العرب لم يكونوا ابدا مطالبين بان يدفعوا الثمن لقاء ‘المخاطرة الاخلاقية’، لم يجبى منهم ثمن على العنف الذي نشروه، واسرائيل هي النموذج الافضل على ذلك، فعلى مدى 65 سنة يقيم الامريكيون علاقاتهم مع الدول التي توجد في مواجهة مع اسرائيل، على أساس قدرتهم على توفير البضاعة الاسرائيلية، الروس يعطونكم السلاح، ولكن نحن يمكننا أن نعطيكم قطعة ارض مهتزة، نظيفة من الاسرائيليين.

هذه ليست تقاليد بدأت بعد الايام الستة، بل منذ المفاوضات على انهاء حرب الاستقلال. الفلسطينيون، بمبادرة أسيادهم، بدأوا وباء الارهاب الدولي. وقد حظوا بعطف المثقفين وبوابل من التفاهمات والاتفاقات السرية مع حكومات اوروبا، وحتى الولايات المتحدة وثقت علاقاتها الخفية عن العيان مع م.ت.ف في أعقاب حرب يوم الغفران.

لقد عودت الاسرة الدولية، ولا سيما الامم المتحدة العرب على أن وباء العنف لديهم هو جزء لا يتجزأ من اللعبة المشروعة للدبلوماسية الدولية، فقد تأسست الامم المتحدة من أجل الحفاظ على السلام، ولكن عندما تخرج الى الشارع المقدسي فانك كفيل بان ترى بوسترا ينشر العرض المعروف ‘يوميات ريتشل كوري’، وفي أعلاه رموز وزارة الثقافة وبلدية القدس.

من يشجع الارهاب ضد اسرائيل والدول الغربية، في نهاية المطاف يدفع الفلسطينيين، السوريين، المصريين، العراقيين وباقي الشعوب العربية الى عالم الصمت، من دون قانون، يقف أفراد الشرطة المصريون جانبا، في الوقت الذي يحرق فيه المسلمون جثث مسيحيين، وسوريون يقتلون بعضهم بعضا، وفي لندن يقطعون رأس جندي. فهل المسرحية التالية على مسارح لندن ستكون ‘حياة وموت الطبال لي ريغبي’؟