إن أفضل حرب هي تلك التي تُمنع

بقلم: أمير أورن

ألقى رئيس هيئة الاركان بني غانتس في السنة الاخيرة على قائد سلاح الجو أمير إيشل عملا آخر، وهو قائد المعركة بين الحروب، وهي سلسلة عمليات بعيدة يُكشف عن أسرارها احيانا بصوت متفجر واحيانا بخطب ساسة في عروض لسلاح الجو.

ومن اجل هذه المعركة بين الحروب أُخضع لايشل ومقر عمله جهات اخرى في الجيش وليس فيه فقط بل في الموساد ايضا. وذلك بسبب التميز المتعدد الألوان للذراع الجوية القادرة على التحرك في مرونة من ساحة قتال الى اخرى، وعلى الهجوم والتصوير والقيادة والتغطية على قطع بحرية في البحار السبعة.

إن الاعتماد على سلاح الجو كبير جدا، الى حد أنه يثور سؤال هل كان يوجد داع لقرار غانتس بان يُنشئ قيادة العمق برئاسة اللواء على نحو مستقل عنه. إن الجو هو العمق، ويوجد مكان لقيادتين اذا كانت العلاقات بينهما محددة فقط، كما هي الحال بين قيادة الجبهة الشمالية وطابور لبنان. حينما تجري عملية كبيرة بعيدة عن حدود اسرائيل تكون القوات على الارض تحت مسؤولية قيادة العمق، أما سلاح الجو فيشتغل بحمايتها وبمهمات دعم؛ لكن يمكن في نفس الوقت ان يُحتاج الى عمليات عميقة اخرى ليس من الضروري ان تكون بالقرب من ذلك المكان. وستكون قيادة العمق أكثر انشغالا من أن تسيطر عليها ايضا. ولهذا سيبقى ميدان المعركة في العمق جويا في أساسه.

ضاق الطموح رغم اتساع المهمات، إن بني بيلد قائد سلاح الجو في حرب يوم الغفران والسنوات الاربع التي تلتها طلب وحصل على قدرات مستقلة وكان ذلك درسا من خيبة الآمال من عمليات سلاح الجو في 1973 اشتملت على الاستخبارات في جملة ما اشتملت عليه، من دون تعلق بتفضيلات القوات البرية. ووجه هذا النهج قادة سلاح الجو في العقود الاربعة الاخيرة، لكن إيشل الذي كان رئيس قسم التخطيط في هيئة القيادة العامة وخبيرا بخبايا الميزانية والنقص فيها أذكى من أن يزعم ان التعاون مع ‘الشاباك’ على عمليات الاغتيال المُركز مثلا، يوجب مضاعفة الاجهزة وانشاء ‘شاباك’ جوي. تكفيه الزيادة المطلوبة على أملاك التخطيط العملياتي والسيطرة والاتصال في القوات البرية.

خُصص العرض الجوي في الاسبوع الماضي لتذكر مرور اربعين سنة على حرب يوم الغفران. واحتفاء بالحدث وتدريب غولاني حضر رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان مع رشقات خطب وتوجيهات وأحاديث عن تركة المعركة لتشجيع الطوابير العسكرية وبث الرعب من الدول العربية الى ايران، وأُسمع هناك الكثير من التهديدات والتحذيرات، وشحذ سيوف يعد بأنقاض متراكمة. إن بنيامين نتنياهو الذي ردد على مسامع الجنود ان ‘المعركة هي مملكة عدم اليقين’، نسي أن يذكر أن هذا التعريف قابل للتطبيق على السياسة ايضا. وقد لا يكون من الصدفة أنه حينما يتحدث عن الذرة الايرانية، وهي أمر لا يوجد ما هو أكثر غموضا منه، يحاول أن ينشئ حتى عند الايرانيين أنفسهم انطباع ان كل شيء يقيني وواضح ومعلوم له. ويكون ذلك كالعادة غرورا غبيا بدل تواضع من يتحمل مسؤولية عن مصير أمة.

حينما تُلاقي الخطوط الحمراء الخطوط الحمراء يُسفك دم. وحينما يُلاقي ‘نُقتل ولا يمر’ ‘نُقتل ولا يمر’، نُقتل حقا، ويلقي هذا على القيادة الوطنية مسؤولية مضاعفة أن تستوضح جيدا في داخلها وعند الجمهور الذي تمثله هل الخط الذي يفضل الحرب على المصالحة يوافق عليه من يُطلب اليه من يدفع ثمنها، وكذلك العمل على مضاءلة الكلفة باجراءات عقلانية لبناء القوة واستعمالها.

إن الجيش يهتم بدروس 1973 لاحتياجاته الفنية، وليس ذلك كافيا لأنه ليس هو الذي يحدد غاية استعماله. إن الدروس الرئيسة هي وطنية وسياسية واجتماعية، وتفضل الحكومات ولا سيما الحالية المليئة بالهُواة، أن تكتمها ولا تدرسها. إن الواجب الأعلى على رئيس الوزراء ووزير الدفاع لخريجي دورة الطيران وأصحاب البنادق في غولاني وعائلاتهم أن يمنعا حربا. ولسبب ما لا نسمع أبدا أشباه بيبي وبوغي في السياسة الاسرائيلية يقولون إنهم يفهمون إنه من اجل منع حرب اخرى لا حاجة اليها يجب عليهم ان يُبعدوا السير بقدر لا يقل عن سلاح الجو في خروجه الى مهماته. إن أفضل حرب هي تلك التي تُمنع.