أوجه الشبه بين تركيا واسرائيل

بقلم: جدعون ليفي

أسقطت ريح صيفية في الاسبوع الماضي واحدا من علمي تركيا الضخمين اللذين يرتفعان في ساحة تقسيم الى جانب تمثال مصطفى كمال أتاتورك. وفي الجانب الآخر من الساحة كان ما زال يجلس عشرات رجال الشرطة المسلحين في حافلات مُشبكة، وكانت خراطيم الماء ما زالت مُعدة. في مطلع الاسبوع كانت بقايا الغاز ما زالت تؤذي الحناجر، وكان زجاجون يصلحون آخر النوافذ التي هُشمت في المظاهرات. أول أمس لم يبق من كل ذلك ذِكر سوى رجال الشرطة ومتنزه غازي الذي هو سبب الاحتجاج، والذي بقي مغلقا أمام الجمهور. وعاد باعة اليانصيب يُديرون دواليب الحظ، وحاول باعة البوظة اغراء السياح، وبدأ في ‘مانغو’ بيع نهاية الموسم بأسعار مجنونة. إن اسطنبول الآسرة امتلأت بالناس، كما هي العادة دائما، وبقي من الاحتجاج في هذا الوقت الذكريات والغضب فقط.

إن نصف تركيا العلماني والمثقف والمدني غاضب على رئيس وزرائها الناجح رجب طيب اردوغان، كما لم يغضب عليه قط، فهو يكرهه ويخاف منه. في عشاء في بيت فخم على البوسفور قام أحد الضيوف أول أمس بتشخيص نفسي قال فيه، إن اردوغان انتقل من عقدة الشعور بالدونية الى الشعور بالعظمة، ومن هناك الى السوداوية، وحان الآن وقت مرحلة شعوره بالمطاردة. إن ‘نصف’ تركيا قد استُصرخ لمواجهة المس بالديمقراطية، وقسوة الشرطة واعتقالات الصحافيين، ورقابتهم الذاتية وهو في نفس الوقت يعبر بحرية مدهشة معترضا على ‘الدكتاتور’. فمن عندنا يشتكي من الرقابة الذاتية في الصحافة؟

إن الاسرائيلي الذي يُدفع الى هنا يشعر بأنه في بيته. فوجوه التشابه بين ‘الديمقراطيتين الوحيدتين في الشرق الاوسط’ كثيرة الى جانب الفروق فكلتاهما ديمقراطية هشة وجزئية. لكن الخشية على مستقبل الديمقراطية في تركيا أكبر منها في اسرائيل، وأشك في ان يكون ذلك حقا. إن مُحدثي الاحتجاج هنا يشبهون مُحدثيه في روتشيلد: فهم طلاب جامعات يحذرون أن يكونوا ‘سياسيين’، مع أهداف غامضة وغضب شديد وشعارات حماسية وفراغ كبير. إن احتجاجا اجتماعيا بلا كلمة واحدة عن حقوق الاكراد يشبه بالضبط عدم حديثهم في روتشيلد عن حقوق الفلسطينيين. بدأ الأمر في تقسيم باشجار في متنزه، وبدأ عندنا بأسعار جبن الكوتج، وفي الحالتين انتقل الاحتجاج الى أهداف أكبر كثيرا ولفظ الاثنان أنفاسهما بنفس الطريقة، بيد أن عنف الشرطة في تركيا كان أشد كثيرا. في الانتخابات التي ستُجرى هنا بعد سنتين قد ينجح أشباه ‘ستاف شبير’ و’ايتسيك شمولي’ من الاتراك في أن يُنتخبوا الى البرلمان.

إن تركيا في 2013 أكثر هياجا ووعيا من اسرائيل في 2013، وأكثر اشتغالا بمشكلاتها. إن اردوغان نبتة غريبة بالنسبة للنخب القديمة، فهو رجل بسيط محلي نجح ولن تغفر له ذلك، وهو يجري محادثات سلام شجاعة مع الاكراد، ويثير غضب الليبراليين، ويضائل قوة الجيش ويثير غضب الديمقراطيين، وهو يُنمي الاقتصاد ويثير معارضة الأغنياء. ولن يفهم الاجنبي ذلك. يتحدث مُتنورو اسطنبول عن حقوق الاكراد، كما يتحدثون في الخطاب الاسرائيلي النفاقي بالضبط عن العرب: وقد بيّن لي مقاول في القيادة العليا انه ‘يعرف’ الاكراد ‘اذا أعطيتهم إصبعا أكلوا يدك كلها’. ليتعلموا بلغتهم لكن ان تكون لهم دولة. ماذا دهاك. إن نسبة الاكراد الى عدد السكان تشبه نسبة عرب اسرائيل، لكن حالهم أفضل، فقد وجد هنا رئيس وزراء من أصل كردي والمقارنة صارخة. حينما سيصل اردوغان الى غزة هذا الاسبوع سيأتي بيدين أنقى، ففي جيبه اتفاق تاريخي مع الاكراد.

يجري في اسطنبول الآن صراع ثقافات يشبه ذاك الموجود عندنا. فـ’السود’ في مواجهة ‘البيض’، والمتدينون في مواجهة العلمانيين، والمتنورون في مواجهة الظلاميين، ويؤجج الطرفان الكراهية. إن هذه القوة الاقليمية الزاهرة تناضل من اجل هويتها مثل جارتها الزاهرة في الجنوب. ولم يُحسم الصراع الى الآن فيهما، في اسرائيل وتركيا. وقد سُجل هنا درس لاسرائيل، وهو ان تركيا يُصب عليها جام غضب النقد الاوروبي، بل القطيعة الاقتصادية بسبب معاملتها القاسية للمتظاهرين والمس بحرية التعبير، فليعلم الاسرائيليون الذين يعتقدون ان العالم كله دائما ضدنا (فقط(.