هل كنت ستُفرج عن مانديلا؟

بقلم: اسحق ليئور
مكث نيلسون مانديلا في السجن 27 سنة لعضويته في منظمة ارهابية زرعت الدمار والقتل في نضالها لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، وفي مقابل ذلك كان مانديلا ايضا من زعماء المؤتمر الافريقي. وانتهت فترة سجنه فجأة كما تذكرون حينما توسل اليه قادة الفصل العنصري في 1990 أن يخرج من السجن.
لو كان الامر أمر وسائل اعلامنا لدعت مانديلا ‘مخربا’، وكانت تصنفه ضمن فئة ‘السجناء الأمنيين’، أي السجناء السياسيين الذين اعتقلوا بقوانين فظيعة وحوكموا على مخالفات جنائية في محاكم عسكرية، العلاقة بينها وبين جهاز القانون كالعلاقة تقريبا بين فرقة موسيقى اطفائية برديس حنا وموسيقى بتهوفن. إن أحكام الأدلة في هذه المحاكم بائسة، وقد سجنت اسرائيل بهذه الطريقة عشرات الآلاف في مدة 47 سنة، ويمكث اليوم في السجن نحو من 5 آلاف سجين سياسي فلسطيني القليل منهم ملطخو الأيدي بالدماء في الحقيقة.
ينبع عدم الاكتراث الاسرائيلي بالسجناء، بالطبع، من كون وسائل الاعلام جزءا من جهاز السجن – بخلاف تام لشكاوى اليمين من التقرير الاخباري الضاج عن ‘الكشف عن شبكة ارهاب’ في كل مرة يُعتقل فيها خمسة من رماة الحجارة، مرورا بتجاهل صور التحقيق مع أول سجين في ‘الشبكة’ وتجاهل المحاكمة، وينتهي الأمر الى نسيان السنوات الطويلة وراء الأسوار وسن السجناء، والنقض الصريح لوثيقة جنيف في كل ما يتعلق بأسرى الاحتلال. وفي هذه الحال يتم الحديث عن سجنهم داخل اسرائيل وتقييد دخول عائلاتهم الى البلاد لزيارتهم ومظالم اخرى هنا وهناك، تشارك وسائل الاعلام فيها بصورة كاملة متحمسة، ويشمل ذلك تقارير صحافية مخزية عن ‘الحياة الطيبة في السجون’. فقد كانت هناك تقارير كهذه في جنوب افريقيا ايضا.
من يبحث في لغة الصحافيين وقت الجدل في الافراج عن جلعاد شليط، يرى ان أكبر المؤيدين للافراج عن السجناء عانوا من اسم الأمة الساجنة التي تُجهد نفسها بحشد السجناء في السجن، وتضطر بعد ذلك الى فقدانهم بسبب ‘عنف العدو’. ولا ينتهي النفاق عند خطاب السجناء بالطبع فهو جزء حاسم من خطاب الاحتلال، الذي أصبح طبيعيا منذ زمن. فقد نشأ جيل كامل من الصحافيين والمربين والقانونيين على المفهوم من تلقاء نفسه، وهو قولهم ‘نحن أحرار لأنهم مسجونون’. ومن نقطة الصفر هذه يبدأ الحوار في ‘الاخلاق’ ومن هنا تأتي ايضا عبارة ‘دم على الأيدي’. وستبرز في الاسابيع القريبة حينما تُثار مسألة السجناء في المباحثات مع جون كيري.
جاء كيري الى المنطقة، كما جاء الى هنا في العقود الاخيرة من لا يحصون من الأرباب من الغرب. ولم يتوقف في هذه الاثناء الاستيطان وسلب الاراضي، ولم يُفرج عن سجناء منذ سنين كثيرة بخلاف الوعود إلا مقابل جلعاد شليط. وينبغي ان نتذكر ان طيارا واحدا مُرجل الرأس وحليق الذقن مع نظارتي ريبان يقصف بيتا مع سكانه في صيدا، أو في غزة له من الدم على يديه أكثر مما للأسير السياسي العادي. إن قوة السجانين ليست في أنهم يسجنون ويحاكِمون فقط، بل في أنهم يحددون المعايير الاخلاقية للأفعال.
صحيح ان اسرائيل تصارع الارهاب ايضا، وكانت بضع مراحل من هذا الارهاب شديدة القسوة والصلف والحماقة، لكنه في كل ‘عملية’ من حرب لبنان الاولى الى ‘عمود السحاب’ قُتل عدد أكبر من الناس.
مهما يكن الامر فان الارهاب وُلد من الاحتلال. ويفترض ان تجمع السجون ‘مُضرين’ وتحفظهم منفصلين كما يفترض ان يحافظ السور والجدران والحواجز على الفلسطينيين على حدة. إن حريتنا في هذا التطبيع هي اضطهادهم، ولن يثبت اضطهادهم وقتا طويلا. فكم من أفلام المقابلات مع رؤساء ‘الشاباك’ ستُرسل الى الاوسكار حتى ينجح الاسرائيليون في استماع الصرخات وراء الأسوار؟
في كل مرة يحتفل فيها الغضب على الافراج عن الأسرى ينبغي ان نسأل ‘هل كنتم ستفرجون عن مانديلا؟’.