وهــم الكــونـفـدرالـيـة الفلسـطيـنـيـة مــع الأردن

بقلم: تشيلو روزنبرغ*
جولة محادثات أخرى برئاسة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يفترض أن ترسم خطة لبدء المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. وقبيل المباحثات، تطلق في الهواء الاعلامي احبولات مختلفة، مخططات احتياطية، تصريحات مضادة وتضليلات إعلامية. ليس في هذا أي جديد.
يعلن نتنياهو من على كل منصة بأنه مستعد للسير نحو تنازلات أليمة، فقط إذا وافق الفلسطينيون على ترتيبات أمنية. ابو مازن من جهته وافق على عدم وضع شروط قبل إجراء اللقاء مع نتنياهو. غير أن كل شيء ظاهريّ، للاسف الشديد، لان احتمال الوصول الى تسوية صفر. هذه هي مفارقة السلام، هذه هي المأساة: كلما أعلن عن رغبة اكبر في الوصول الى التسوية هكذا تبتعد التسوية أكثر فأكثر.
في مقابلة تلفزيونية قال اللواء احتياط، غيورا ايلند، رئيس قيادة الامن القومي سابقا، بأنه يرى أن حل الدولتين ليس ممكنا، والبديل الافضل في نظره هو كونفدرالية أردنية – فلسطينية. إذا تحقق توقع ايلند، يمكن القول ان "بعث الموتى" هو حقيقة قائمة وعبثاً اضيعت 26 سنة منذ سقوط اتفاق لندن، مع كل المعاني والمآسي في هذه الفترة.
التاريخ مليء بسخافة الزعماء، بالعودة الى حلول طرحت في الماضي، ولكن التاريخ لا يكرر نفسه. فالفرصة التي أُضيعت لن تعود ابدا بالشكل ذاته. فرضية ايلند الاساس، التي بسببها عاد الى الخيار الاردني، صحيحة جداً: لن يتوفي في إسرائيل ولا في أوساط الفلسطينيين في المستقبل القريب زعماء يكونون مستعدين لتنازلات متبادلة. ببساطة لا يوجد احتمال. مهما بذل الأميركيون من جهود هائلة، فان حل اقامة الدولة الفلسطينية لن يتحقق.
غير ان البديل الذي يقترحه ايلند يبدو أبعد حتى من حل اقامة الدولة الفلسطينية. في العام 1987 كان لا يزال ممكنا الحديث عن حلول مختلفة ومتنوعة من فوق رأس الفلسطينيين، وذلك لان قيادة م.ت.ف كانت تعتبر غير شرعية في الساحة الدولية، و"حماس" لم تكن موجودة، وكان بوسع اسرائيل أن تتسلى بالتفكير بان الزمن سيلعب في صالحها. اما اليوم، فالوضع مختلف تماما: توجد سلطة فلسطينية معترف بها في العالم، وقّعت اتفاقات معها، والعالم يرى فيها عنوانا وحيدا لإدارة المفاوضات مع إسرائيل.
غير أن كل شيء ظاهريّ: السلطة الفلسطينية أضعف من أي وقت؛ غزة تسيطر عليها "حماس" التي تعارض بشدة كل اتفاق مع إسرائيل؛ أبو مازن غير قادر على أن يتخذ أي قرار تاريخي بشأن "حق العودة" او التسويات الاقليمية، وبالتأكيد ليس في القدس. وبالمقابل، فان الشريك الفلسطيني هو الآخر غير مستعد، ولن يكون مستعداً حتى في المستقبل المنظور، لتنازلات تعرض للخطر وجود اسرائيل او طابعها اليهودي. اقتراح ضم "المناطق" الى اسرائيل وجعل سكان "يهودا" و"السامرة" مواطنين إسرائيليين هو اقتراح سخيف، في افضل الأحوال، وغبي في أسوأ الاحوال.
لهذه الاعتبارات وغيرها يعتقد ايلند بأنه يمكن الوصول الى حل الكونفدرالية مع الأردن. هذا، لاسفي الشديد خداع، وليس أكثر من ذلك. فلا الفلسطينيون في "يهودا" و"السامرة" سيوافقون على ذلك، ولا السلطة الفلسطينية، لأن مجرد الموافقة هي اعتراف بحلها، وبالتأكيد ليس "حماس". ولن تكون مبالغة إن قلنا ان الملك الأردني أيضا لن يقبل حل الكونفدرالية ومنح حكم ذاتي للفلسطينيين، وذلك لأن المعنى هو التصفية الذاتية للسلالة الهاشمية. فاذا كان للفلسطينيين اليوم أغلبية واضحة في المملكة الاردنية، فيمكننا أن نفهم بسهولة ماذا سيحصل عندما ستضم "المناطق" إليها. بسبب كل هذا واسباب عديدة اخرى، لاسفنا الشديد، الخيار الاردني هو رؤيا مخادعة فقط.