مصر في عدم وجود زعيم حقيقي

بقلم: د. بسمات يافات - أبشالوم

إن المظاهرات المليونية في مصر في الايام الاخيرة هي تعبير آخر عن الانقسام العميق داخل المجتمع المصري: فمن جهة تقف المعارضة المؤلفة من قوى ليبرالية، ويساريين بل من أنصار نظام مبارك القديم التي تتحد على هدف واحد هو تنحية مرسي عن كرسي الرئاسة. وتقف من جهة اخرى الكتلة الاسلامية وعلى رأسها حركة الاخوان المسلمين التي لا تنوي التخلي عن القوة التي تم احرازها بوسائل مشروعة وديمقراطية.

اعترف مرسي في خطبته الاخيرة بأخطائه وكشف عن استعداده لانشاء لجنة مصالحة وطنية تؤلف من قوى معارضة شاركت في الثورة.

ومع ذلك عبرت تلك الخطبة ايضا عن شعوره القوي بالعوامل التي تُفشله وتمنعه من ادارة الدولة. وقد تناول مرسي في خطبته بصورة واضحة وسائل الاعلام التي يسيطر عليها أرباب مال كانوا في عهد مبارك يعملون بلا كلل على زعزعة مصر ومنع استقرارها، بل إنه تناول بصورة واضحة جهاز القضاء المصري الذي برأ أرباب المال هؤلاء من كل تهمة وأثبت بذلك في زعمه انه جزء لا ينفصل عن مؤسسة مبارك القديمة.

لم تُسهم صورة سلوك مرسي في سنة رئاسته الاولى في التقليل من الانقسام والشقاق الذي نشأ في الشعب. وبرهن الاخوان المسلمون على أنهم ما زالوا يتصرفون مثل حركة مغلقة تعمل من اجل تثبيت مصالحها. وبرز هذا التوجه في جملة ما برز بمحاولات مرسي الفاشلة أن يحوز لنفسه صلاحيات مطلقة، بصورة صوغ دستور ذي خصائص اسلامية من دون انشاء اتفاقات مع المعارضة السياسية وبسلسلة تعيينات سياسية من داخل دوائر الحركة. ولم تُفض مقاومة عنيفة لهذه الخطوات من قبل جهات سياسية مختلفة الى تنازلات بعيدة المدى. فقد أظهر الاخوان تصميما على توسيع قوتهم في مؤسسات الحكم حتى لو كان ثمن ذلك صداما وجها لوجه عنيفا مع قوى المعارضة.

ومع ذلك كان للمعارضة المنقسمة ايضا دور في تثبيت عدم الاستقرار. إن قوى المعارضة لم تر قط ان فوز مرسي شرعي، ولهذا لم تُظهر استعدادا للتوصل الى مصالحة واتفاق معه على قضايا مثل صوغ الدستور أو صوغ قوانين الانتخابات. وعرضت طول الطريق كله مطالب مطلقة على صورة عرض شروطهم اليوم إبعاد مرسي أو اعادة الثورة.

رغم الانقسام العميق والعنف المتزايد ما زال من السابق لأوانه ان نتحدث عن مصر في سياق حرب أهلية. إن العنف في الشوارع يشهد على وجود عصابات مسلحة، لكن دورها في هذا الوقت محدود، وما زال الجيش قوة قوية وقد يتدخل في المستقبل لمنع فوضى مستمرة.

إن مصر بعيدة عن الاستقرار دونما صلة بقرار الجيش. ولا يُرى مرسي أنه الزعيم المثالي، لكن المعارضة ايضا لا تعرض زعيما أو رؤية يمكن ان يكونا بديلا عن زعامة مرسي التي لا خبرة فيها. ومن المهم ان نتذكر ان خروج الملايين الى الشوارع داعين الى اسقاط مرسي يعبر في الأساس عن خيبة أملهم واحباطهم المتزايد من تدهور الوضع الاقتصادي ومستوى الأمن الشخصي. ولن يأتي حل ناجع مناسب لمشكلات هؤلاء الملايين من قوى المعارضة التي تريد رأس مرسي باسم الديمقراطية.

حرره: 
م . ع