"تقدم حقيقي".. فيلم شاهدناه مرّات عديدة

بقلم: اوري اليتسور
"يسعدني أن أعلن بأننا حققنا تقدماً حقيقياً في هذه الجولة. مع بعض العمل الإضافي سيكون بدء المفاوضات في متناول اليد. بدأنا مع فجوات كبيرة وقلصناها. توجد بعض التفاصيل، ولكني واثق بأننا على المسار السليم". هذا ما قاله جون كيري، أول من أمس، قبل لحظة من مغادرته البلاد بأياد فارغة، ويكاد يكون هذا كلمة بكلمة ما قاله قبله المبعوث الأميركي، جورج ميتشل، والمبعوث الخاص جيمز روبين، ووزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، والمبعوث الى الشرق الأوسط دافيد سترفيلد، ووزيرة الخارجية، مادلين اولبرايت، ودنيس روس، الذي لا يكل ولا يمل، وجيمس بيكر المتصلب. وبين أميركي وأميركي خرج وجاء وتردد بين رام الله والقدس أيضا كاترين اشتون، وتوني بلير، وخافيير سولانا، وكوفي أنان، وأو تانت، وأعتذر لكل من نسيته. كان لدى الجميع هناك تقدم حقيقي، وكلهم كانوا على المسار السليم. كلهم بدؤوا بثغرات كبرى وقلصوها، وكلهم عقدوا مؤتمرات صحافية أمام جناح الطائرة، وأقلعوا عائدين، فيما بقي فريقهم هنا لإنهاء التفاصيل الصغيرة المتبقية.
معظم أسلاف جون كيري كانوا واثقين بأنهم يتراكضون هنا كي ينهوا المفاوضات، اما كيري فيتردد على الجبال كي يبدأ المفاوضات.
بدء، انهاء، لا يهم. المهم هو أنه يوجد افق سياسي، إذ إنه بدون أفق سياسي لا أمل، وبالضبط الآن فتحت نافذة فرص خاصة.
قد يستمر هذا هكذا الى الأبد، كون اللاعبين الخارجيين يتغيرون كل الوقت، مرة بيكر، ومرة كيري، اليوم أوباما وغداً كلينتون، وكون هذه الترددات تواصل جذب الصحافيين والمصورين وصنع العناوين الرئيسة، يحتمل أنهم لن يعترفوا أبداً بأنه لا توجد أي نافذة وأي فرصة، وهذه الطقوس تكرر نفسها في دائرة مغلقة لا تؤدي الى أي مكان.
ومع ذلك، هناك انطباع بأن هذا بدأ يبعث الملل لدى اللاعبين في الساحة. بمن فيهم الجدد. أوباما يبعث إلى الجبهة بجون كيري، ويخرج بنفسه للتجول في افريقيا. لا يبدو أنه يكرس اهتماما كبيرا لمصير مبعوثه ونتائج جهوده. وأوروبا هي الأخرى لم تعد تتحمس للمشاركة في المسرحية. وحتى لعبة "من المذنب" مثيرة لتثاؤب وسائل الإعلام العالمية. رفض أبو مازن بات واضحاً جدا للعيان، حيث إنه ينبغي القيام بشقلبات في الهواء من أجل اتهام نتنياهو. واذا لم يكن نتنياهو مذهبا، فإن القصة لا تعود مثيرة للاهتمام. هذه اللعبة القديمة توشك على الاندثار.
في هذه الأثناء يحاول ابو مازن ان يكسب بضع نقاط أخرى في اللعبة القديمة. وهو لا يعتزم الوصول الى اي اتفاق. استراتيجيته هي الحصول على دولة من الأمم المتحدة دون أي اتفاق مع إسرائيل ودون أي تنازل، لا عن الكتل الاستيطانية، لا عن حق العودة ولا عن حق التسلح وإقامة جيش ومواصلة النزاع مع إسرائيل. ولكن في اللحظات الأخيرة التي لا تزال فيها اللعبة القديمة قائمة يحاول أن يبتز دون مقابل تحرير سجناء وتجميد بناء. في المستوطنات، في الكتل، وفي القدس.
إذا رفض نتنياهو الوقوع في هذا الفخ، يخيل أن العالم بات جاهزاً نفسياً لقبول ذلك وفهمه، شريطة أن يحصل على إسناد إسرائيلي داخلي واسع من وسائل الإعلام الإسرائيلية، من المعارضة ومن رئيس الدولة. ولكن من المشكوك فيه أن تتمكن هذه الجهات من التغلب على نوازعها لتقدم هذه المساهمة لصالح الدولة.