القرار الأوروبي: الاحتلال سيهدم الوطن القومي اليهودي

بقلم: أري شبيط
أعترف بذنبي: أخطأت. فقد كنتُ قبل سنتين ونصف من الأوائل الذين حذروا من تسونامي سياسي يضرب سواحلنا إن لم نُصدر خطة جريئة تفضي إلى تقسيم البلاد. لكن التسونامي السياسي تأخر وصوله. ففي خريف 2011 استطاعت حكومة نتنياهو ان تضغط على ادارة اوباما لتضغط على المجتمع الدولي كي لا يتعاون مع الاجراء الفلسطيني في الامم المتحدة – وهو اجراء كان يرمي الى التنديد بإسرائيل. ولذلك لم يضرب التسونامي، ونشأ في اسرائيل شعور حميم لذيذ بأن كل شيء على ما يرام، وبأنه يمكن حكم شعب آخر واضطهاد شعب آخر والاستيطان فوق كل تلة في ارض آبائنا. ويمكن ادارة الظهر لبرنامج العمل السياسي، وتجاهل التحدي الوجودي الاسرائيلي، وأن يُترك المستوطنون للاستمرار في حكمنا. الأزمة السياسية التي لم تتحقق قبل سنتين كانت منذ ذلك الحين برهاناً قاطعاً على أننا نستطيع تحدي أمم العالم، ونستطيع أن نفعل بالفلسطينيين ما نشاء. لا أحد يقدر علينا، ولا مدافع كمدافعنا. سنحتل ونستوطن ونرث الارض كلها.
ومن الواضح اليوم ان العشرين شهرا التي مرت منذ التسونامي الذي لم يكن، كانت تشبه شبها عجيبا الاشهر الخمسة التي مرت بين الحرب التي لم تنشب في أيار 1973 وبين الحرب التي فاجأتنا في تشرين الاول 1973. ففي الحالين كانت هناك معلومات كافية، وكان واضحا ان الوضع غير أهل للبقاء. لكن في الحالين أفضى النذير الباطل السابق الى ألا يُسمع النذير الحقيقي المتأخر. فالتأليف بين الاستكبار والسكينة وبلادة الحس الاخلاقية جعل الاسرائيليين يستمرون في الرقص فوق متن السفينة في الوقت الذي كانت فيه سفينتهم المضاءة تُبحر مباشرة لتصدم جبل الجليد. ولم يحرف الربان المقود قبل ذلك، ولم يطلب الركاب منه أن يحرف المقود قبل ذلك. فقد آمن الربان والركاب أيضا بأنه لا يوجد جبل جليد في العالم يقدر على سفينتهم ويقدر على حفل الأغبياء الذين فوق متن السفينة.
لا يدور الحديث الآن ايضا عن التسونامي لأن قرار الاتحاد الاوروبي على التفريق بين اسرائيل السيادية واسرائيل المحتلة لن يهدم اقتصاد اسرائيل في صباح الغد. وإن محاولة بروكسل الفظة ان تنقذ القدس من نفسها لن تجعل القدس عاصمة مجذومة هذه السنة. لكن المسيرة خرجت في طريقها. وقد قدمت إلينا الرسالة المسجلة التي تقضي بوجود تناقض بين كوننا دولة في الـ OECD وكوننا دولة استيطان. ووضع على المائدة التناقض بين انتسابنا للغرب في القرن الواحد والعشرين وبين اصرارنا على قيم استعمارية من القرن التاسع عشر. وقد أبلغتنا اوروبا أن وهم بينيت هو وهم. فلن توجد هنا وقتا طويلا أمة هاي تيك ولا اقتصاد منطلق اذا لم نُخلص البلاد. وإن الرفض الاسرائيلي المستمر للاعتراف بأن الاحتلال هو احتلال، قد يفضي إن لم يكن عاجلا فآجلا، الى أن نجعل أنفسنا مثل جنوب افريقيا. والاصرار الصهيوني على إفساد الصهيونية في الضفة سيفضي عاجلا لا آجلا الى أن نُعرف أنفسنا من جديد بأننا مثل روديسيا. إننا نُقرب أنفسنا بأيدينا من فقدان العدل الصهيوني ومن فقدان الطريق الصهيوني ومن تهاوي الوطن القومي اليهودي.
لم يكن الخطأ خطأي فقط، فمنذ 46 سنة كان اسرائيليون بعيدو النظر يحذرون من كارثة تأخر مجيئها بادي الرأي. لكن الدولة كانت تنمو والاقتصاد يزهر من تحذير الى تحذير، ويقوى اليمين. وكانت السفينة الاسرائيلية تنجح بمهارة لا شبيه لها في الالتفاف حول جبل الجليد دون ان تصدمه. لكنه قد يتبين لنا في ذات صباح ان السبب في أننا لا نصدم جبل الجليد هو أن جبل الجليد قد أصبح داخلنا. فجبل الجليد أصبح داخل السفينة. اصغوا، إن ماء جبل الجليد يطغى في الطبقة السفلى. وانظروا ماء جبل الجليد يقترب من الطبقة العليا. فاذا استمر الركاب والربان في الاحتفال بحفلهم اللاهي فان ماء جبل الجليد الطاغي سيفعل بالسفينة ما لم يفعله أي تسونامي بها.