"أبو مازن" ونتنياهو: محاولات "عزل" متبادلة

بقلم: ناحوم برنياع
عُلقت على حائط مكتب سفير فرنسا في اسرائيل كريستوف بيجو صورة باللونين الاسود والابيض لبن غوريون وديغول يقفان جنبا الى جنب في بدلتين سوداوين، الاول مديد القامة متجهم الوجه والثاني قصير القامة وصارم. وقد التقطت الصورة لهذين الاثنين إن لم أكن مخطئا في جنازة ونستون تشرتشل في 1965.
غادر ديغول الجزائر التي كانت اقليما من اقاليم الجمهورية الفرنسية لا يقل فرنسية عن بروفانس أو نورمندي. وأجلى أكثر من مليون فرنسي عن بيوتهم وتغلب على عدة محاولات للجبهة السرية للمستوطنين، واليمين المتطرف وقيادة الجيش العليا للاستيلاء على الحكم بالقوة. وليس نتنياهو ديغول.
قضى بن غوريون بالقوة على العصابات السرية وعلى القوات العسكرية الحزبية وفرض سلطة واحدة وسلاحا واحدا. وبنى دولة مع كل الخدمات التي يفترض ان تقدمها دولة. وليس أبو مازن بن غوريون.
والاوروبيون هم اوروبيون فقط. تلقوا في اسرائيل بتأثر قرار الاتحاد الاوروبي على التفريق بين اسرائيل والاراضي وراء الخط الاخضر. وابتهج اليسار الراديكالي. وقد أرسل من قلاعه في شمال تل ابيب رسائل شكر على العقوبات التي يفترض ان تقع على رؤوسنا بعد قليل. واستل اليمين من قلاعه في المستوطنات سلاح يوم الدين وهو معاداة السامية والمحرقة.
علّق نتنياهو التبعة على وزارة الخارجية التي لم تُحذر. وقال هذا يوم غفران وزارة الخارجية، وكأنه لم يعلم أن قرار هذا الاسبوع يكرر كلمة كلمة تقريبا قرارا سابقا في كانون الاول 2012 صدر عن وزراء الخارجية الاوروبيين. وهدد نائب وزير خارجيته زئيف الكين الاوروبيين بعقوبة مضادة، فستمنعهم اسرائيل من مساعدة الفلسطينيين. وقد آمنت حكومات اسرائيل الى هذا الاسبوع بأن مساعدة الدول المانحة جيدة للأمن، فالفلسطينيون الشبعى لا يقومون بارهاب. ويهدد الكين الاوروبيين بأنهم اذا لم يسلكوا سلوكا حسنا فسيطلق النار على قدمه.
والحقيقة ان الاجراء الاوروبي وجه الى أبو مازن أكثر مما وجه الى نتنياهو، كان يرمي الى ان يقدم اليه سلما يتسلقه من جديد الى التفاوض. سيقول أبو مازن للجنة المركزية في فتح إنتبهوا إن اوروبا معنا. وكيري معنا. وسيخطب اوباما خطبة يلتزم فيها بالتفاوض على أساس خطوط 1967. ووزراء الخارجية العرب معنا. وقد التزم نتنياهو للاميركيين أن يجمد بالفعل البناء في المستوطنات ما عدا عقودا وقع عليها من قبل. ووعد بالافراج عن سجناء في اثناء التفاوض. ولن نستطيع الحصول على أكثر من هذا الآن. فاذا رفضنا الآن فسنخسر كل شيء، سيقول لهم أبو مازن. سنخسر المساعدة الاميركية والاوروبية وقد نخسر مساعدة دول النفط، وستفرغ الخزينة العامة وتنتقض السلطة وتسيطر حماس. وهذا ما يريده نتنياهو، ولا يجوز لنا ان نمنحه هذه الجائزة.
وسيغضب ناس ويتظاهرون هنا وهناك، لكنه سيحصل في نهاية الامر على أكثرية.
ويعرض الاوروبيون على اسرائيل رزمة مركبة. فهم مستعدون أن يعطوا اسرائيل مع الجزرة ضمانات أمنية وأن يرسلوا قوات اوروبية الى المعابر والى غور الاردن وأن يوسعوا الاتفاقات التجارية وغير ذلك. وهم يهددون مع العصا بتوسيع العقوبات التي يفرضونها على اسرائيل بسبب المستوطنات. ولا جديد في القرار الاوروبي، لكن الجديد فيه هو الاستعداد للتنفيذ.
ولن تكون الخطبة التي سيخطبها نتنياهو في وزرائه مختلفة كثيرا عن الخطبة التي سيخطبها أبو مازن. فسيشير الى خطر التأجيل بقوله: سنخسر كل شيء. وسيُهدىء روع المعارضين بنفس التعليلات التي هدأ بها روع بني بيغن قُبيل خطبة بار ايلان. وسيقول بين هذا وذاك إن احتمال التوصل الى اتفاق ضعيف يؤول الى الصفر. فدعوا الفلسطينيين يكونون الرافضين. وسيذكر ايران: لأن المواجهة مع الولايات المتحدة الآن ستُفرح الايرانيين فقط، سيقول.
وسيغضب ناس، ويتظاهرون هنا وهناك، لكنه سيحصل في نهاية الامر على أكثرية. واذا أصر البيت اليهودي لبينيت على ترك الحكومة فسيدخل حزب العمل الى الداخل بقفزة رأس. وستصبح يحيموفيتش وزيرة الاقتصاد ويصبح هرتسوغ وزير الاسكان وكابل وزير الأديان، ولن يوجد أسعد منهم.
إن المناطق التي احتُلت في 1967 هي خارج المجال في كل العقود التي وقعت عليها اسرائيل مع دول اوروبية، ويوجد في ذلك مواد صريحة، ووقع على العقود وزراء حكومات اسرائيل على اختلاف حقبها ومنهم وزير المالية السابق بنيامين نتنياهو. وللقيود التي فُرضت على اسرائيل معنى أعمالي. فعلى سبيل المثال لم تعد معصرة بركان التي أُنشئت في مستوطنة بركان بالقرب من اريئيل، في بركان منذ زمن، وهي موجودة بالقرب من كيبوتس حولداه، وكذلك ايضا مصانع اخرى تبتغي التصدير.
ليست الكلفة الاقتصادية مرتفعة لأن الاوروبيين اختاروا إغماض عيونهم وإغماض العيون هو الوضع الطبيعي للاتحاد الاوروبي وهو إغماض العيون والاستكانة. حينما كانت توجد مسيرة سياسية خرج من اسرائيل وزراء الى عواصم اوروبا وأقنعوا نظراءهم بأن الحرص على القطيعة مع المستوطنات سيجعل من الصعب على الحكومة ان تُلين مواقفها بازاء الفلسطينيين. فكانت المسيرة السياسية هي الاسبرين الذي خفف الألم.
والمشكلة هي ان الاسبرين لا يحل شيئا. إن تجديد التفاوض في هذه الظروف يُذكرنا بفشل كامب ديفيد في 2000. فأبو مازن يُجر الى التفاوض بالقوة وهو لا يؤمن بأنه سيحصل من اسرائيل على اقتراح يستطيع التوقيع عليه؛ وهو يأمل ان يعزل اسرائيل. ويدخل نتنياهو التفاوض ويثبت فقط ان الفلسطينيين ليسوا شريكا، فهو يأمل ان يعزل أبو مازن.
حينما يكون الطرفان أقل عناية بالاتفاق من الوسيط بينهم فلا أمل من التفاوض، قال وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر. ويمكن ان يؤتى بالاثنين الى الحوض، لكن لا يمكن إرغامهما على الشرب.
يديعوت أحرونوت