طريق كيري تقود إلى فشل شبه مؤكّد

بقلم: باراك رابيد
المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست بشرى جديدة. فقبل 21 سنة جرت محادثات كهذه، مع الياكيم روبنشتاين، الذي يشغل اليوم منصب قاض في المحكمة العليا، في رئاسة الفريق الاسرائيلي؛ وحيدر عبدالشافي من غزة في رئاسة الفريق الفلسطيني. وقد انتهت بفشل ذريع.
رون بونداك، من مهندسي اتفاق اوسلو، يذكر الفشل في واشنطن في مستهل كتابه "قناة سرية"، الذي صدر مؤخراً. ويروي أنه التقى في ذاك الوقت الراحل فيصل الحسيني، من قادة "فتح" في الضفة. وروى الحسيني له القصة التالية:
"كان هناك فلسطيني فقير أراد أن يخيط لنفسه بدلة. القماش لم يكفِ، والخياط الرخيص الذي وجده لم يتقن صنعته. وكانت النتيجة صعبة: كمّ قصير وآخر طويل، والرقبة معوجة، والظهر مشدود من جهة ومرخيّ من جهة اخرى. ما المشكلة، قال الخياط، حيث كان الكم قصيرا شد الكتف، وفي المكان الطويل ارخِه، الوِ الرقبة قليلا، سر جانبيا وكل شيء سيكون على ما يرام. وعندما خرج الفقير الى الشارع قال الناس: انظروا الى هذا المسكين، ما فعلت به الطبيعة، فهو أعوج، أشوه، وأعرج، ولكن الخياط الذي عثر عليه ينبغي الثناء عليه؛ فبطريقة عجيبة نجح في أن يحيك له بدلة على مقاسه".
جون كيري هو الخياط الرائع الجديد. العالم كله أثنى في نهاية الاسبوع على تمسكه بالمهمة، وعلى تصميمه، وعلى قدرته على الاقناع. فقد نجح في مهمة ضائعة، متعذرة.
بتعابير دبلوماسية يوجد هنا بلا ريب إنجاز. فقد واجه كيري زعيمين قليلي الايمان، ونجح في جلبهما الى طاولة المباحثات. كل واحد منهما كسب شيئا في المدى القصير: نتنياهو حصل على استراحة من الضغط الدولي على حكومته وتأجيل التوجه الفلسطيني الى مؤسسات الامم المتحدة سنة على الأقل. ابو مازن حصل على تحرير 104 سجناء قدامى، بعضهم "قتلة". هذا موضوع مشحون جداً، وحساس جداً في الشارع الفلسطيني. كما حصل أيضا على وعد بتجميد البناء في المستوطنات، واعتراف اميركي متكرر بخطوط 67 كأساس للاتفاق، وليس أقل اهمية مواصلة المساعدات المالية التي تعيل حكمه.
ولكن المفاوضات ليست هدفا: فهي مجرد وسيلة. والسبيل الذي يتصدى به كيري للنزاع يؤدي على نحو شبه مؤكد الى فشل آخر، والى الانهيار الذي يأتي في أعقابه.
حتى اليوم تحققت ثلاثة اتفاقات سياسية بين اسرائيل وجيرانها: السلام مع مصر؛ الاعتراف المتبادل بين اسرائيل و"م.ت.ف" والسلام مع الاردن. الاتصالات التي أدت الى التوقيع على هذه الاتفاقات جاءت من خلف ظهر الادارات الاميركية. وكانت اميركا في وقت لاحق بمثابة ممولة، ضامنة، وسيطة، ومضيفة. في كل مرة اقترحت فيها اميركا خطوة بمبادرة منها فشلت. هكذا في المحادثات بين اسرائيل وسورية. وهكذا في محاولاتها الدفع الى الامام بالمفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. واشنطن هي مكان ممتاز للاحتفال فيه باتفاق: وهي مقبرة للمفاوضات.
نقطة البدء هذه المرة صعبة على نحو خاص. الفجوة بين اهداف الطرفين كبيرة، والشك المتبادل هائل، ولشدة الأسف مبلور. لا توجد في هذه اللحظة ظروف تدفع أحد الطرفين او كليهما الى تغيير عميق في المواقف وتقديم تنازلات أليمة. الشارع في الطرفين لا يتوقع هذا. واحيانا مجرد الاكتشاف بأنه في الطرف الآخر يعيش بشر، وليس وحوشا، يخلق حماسة، مرونة، تشق الطريق الى الاتفاق. ولكن لا يوجد اي شيء مثير للانفعال في اللقاء بين المحامي اسحق مولخو وصائب عريقات. فقد التقيا عشرات المرات، وربما مئات المرات. اللقاءات ودية والنتائج صفرية. الأول ناطق، والثاني محامٍ خاص. لا يوجد لأي منهما تفويض باتخاذ قرار.
تسيبي لفني، التي تعد هذه المفاوضات غاية وجودها في السياسة، طموحة اكثر منهما، ولكن هي ايضا تعرف بأن القرارات لن تكون قراراتها.
الاتفاق لن يكون الا عندما يكون ثمن عدم الوصول الى الاتفاق أعلى من الثمن الذي ينطوي عليه التسويف. كيري يومن بأنه في غضون تسعة اشهر سيصل الى تسوية سلمية وإقامة دولة فلسطينية. طوبى للمؤمنين.

حرره: 
م . ع