على اسرائيل السعى إلى الانفصال عن الفلسطينيين وتصميم حدود الدولة

بقلم: جلعاد شير

أنتجت الدبلوماسية المكثفة، التي أدارها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في الاشهر الاخيرة أخيراً بيانا حذرا عن العودة الى طاولة المفاوضات. على خلفية العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الاوروبي، ينبغي الترحيب باستئناف الحوار بعد سنوات من الجمود السياسي. ينبغي الافتراض بأنه ستكون على طاولة المداولات في اثناء السنة القريبة القادمة الصيغ الرسمية القائمة أيضا: صيغة كلينتون التي تعود للعام 2000، خريطة طريق الرباعية التي تعود للعام 2003، اقتراح اولمرت على ابو مازن في العام 2008، ومبادرة السلام العربية، التي تعود للعام 2002، مع الإيضاحات التي أُعطيت لها مؤخراً. وإضافة الى ذلك، فإن احتمال الوصول الى حل كامل وبعيد المدى للقضايا الجوهرية – القدس، اللاجئين، الحدود، الامن – وانهاء النزاع في تسوية دائمة طفيف جدا اليوم.

الى جانب ذلك، في الساحة الدولية يتثبت فهم نزع الشرعية عن اسرائيل، ويترسخ الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية دون الاتفاق؛ استمرار البناء في المستوطنات يجعل تقسيم الارض عمليا بين دولتين قوميتين امكانية أقل فأقل؛ الشريك الفلسطيني المعتدل في المفاوضات، حركة فتح، توجد في سياق داخلي من الضعف، حيث بالتوازي تتعزز الأصوات المتطرفة في قيادة "حماس"؛ وكذا فإن تعاظم صوت الجمهور في الدول العربية، والذي يتميز بالتماثل مع الاسلام السياسي، مقلق أيضاً.

من أجل ضمان المصلحة القومية بعيدة المدى – دولة يهودية ديمقراطية – على اسرائيل أن تسعى إلى الانفصال عن الفلسطينيين وتصميم حدود الدولة، سواء بالمفاوضات أم بشكل مستقل، وكل ذلك بالتنسيق مع الأسرة الدولية. ولكن بالتوازي، مطلوب في الداخل استعداد وحوار اسرائيلي داخلي، يعد الجمهور والاساس الوطني الضروري لعملية الانفصال التدريجي عن الفلسطينيين.

من أجل التقدم الى تسوية سياسية بعيدة المدى، وتصميم واقع سياسي مرغوب فيه من دولتين لشعبين، سيتطلب الامر، إذاً، اتفاقات جزئية، اتفاقات انتقالية، واعمالا مستقلة منسقة بين الطرفين. وهكذا يتاح تحسين العلاقات التي يعتريها الشك بين القيادتين، وليس أقل اهمية – هذه الخطوات قد تساعد في بناء الثقة بين المجتمعين وفي نهاية المطاف تعظيم التأييد الجماهيري الحيوي للقيادتين لغرض التقدم نحو اتفاق بعيد المدى.

على المستوى الاقليمي، على اسرائيل أن تتحدث مع قادة دول رائدة في الجامعة العربية حول استعدادها المبدئي لاستئناف صيغة متعددة الاطراف، في ظل امكانية الاعتراف بمبادرة السلام العربية كأساس لبدء الحوار، بهدف الدفع الى الامام باتفاق على اطار متعدد الاطراف شامل دائم كمنصة اقليمية للحوار، واتفاق على خطوات مصممة للواقع من جانب اسرائيل والفلسطينيين. الميزة المركزية لهذا النهج تكمن في احتمالاته لتحقيق ادارة محسنة للنزاع في المرحلة الاولى، بالتوازي مع المحادثات الثنائية، وفي المرحلة الثانية، خلق أساس للمفاوضات مع الفلسطينيين على تسوية دائمة وحوار اقليمي مع لاعبين شرق اوسطيين آخرين.

يستدعي التقدم الحذر والتدريجي للانفصال عن الفلسطينيين وتصميم حدود الدولة الابقاء على المبادرة السياسية بيد اسرائيل. من ناحية اسرائيل لا مجال بعد اليوم للسلبية وانتظار خطوات الطرف الثاني أو اطراف ثالثة، مثلما حصل، الاسبوع الماضي، مع الأوروبيين. من المرغوب فيه لاسرائيل أن تعمل بالتوازي في عدة محاور عمل مركزية: الاول اتفاقي، وهو الخطوة المتبعة هذه الايام من قبل وزير الخارجية، جون كيري، وفيه يجب أن تكون:

1. مفاوضات هدفها النهائي تسوية سياسية بعيدة المدى.

2. تسويات انتقالية نحو تطبيق تسوية بعيدة المدى متفق عليها.

3. حوار اقليمي متعدد الاطرف.

المحور الثاني هو مبادرة اسرائيلية مستقلة لرسم الحدود المؤقتة، في ظل التعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية.

الصيغة المقترحة للتقدم هي تطبيق كل خطوة تساهم في واقع الدولتين بشكل منفصل، أو صيغة متفق عليها. وبالتوازي مع المحادثات يوجد مجال لإعادة التفكير ايضا بالسياسة الشاملة تجاه قطاع غزة والاستعانة بأطراف ثالثة للتغلب على أزمات عنيفة وتعميق التفاهمات الامنية بين اسرائيل و"حماس".

ولكن، اذا ما اشتدت الفوارق والعوائق على الطريق وتغلبت على الجهود لدفع التسوية السياسية بالمفاوضات إلى الامام، أو تصعد الوضع جدا، فسيتعين على اصحاب القرار في اسرائيل العمل على الدفع إلى الامام بمبادرة انفصال ذاتية بهدف خلق واقع دولتين للشعبين على الارض، ومن المرغوب فيه بالتعاون مع السلطة الفلسطينية (ولكن تنفيذها لن يكون متعلقا بذلك)، ومنسقة بشكل وثيق مع الادارة الأميركية.

في كل الاحوال ينبغي الاستعداد لليوم الذي يدعى فيه المستوطنون للعودة الى حدود دولة اسرائيل، كما ستتقرر، بالاتفاق او بقرار اسرائيلي مستقل. ومن أجل منع الاشتعال الداخلي، على الحكومة أن تفكر بعمق كيف تغير الحوار بينها وبين المستوطنين. وذلك، ضمن امور اخرى، من أجل توسيع التأييد الجماهيري لحل الدولتين، بلورة الاخلاء كخطوة مكتلة وليس كتنكر لجمهور اسرائيلي مهم، ولتبرير الانفاذ والاخلاء بالقوة اذا ما تطلب الامر ذلك.

يستدعي التخطيط الوطني لوضع الانفصال الى دولتين قوميتين – باتفاق هو نتيجة المفاوضات او بقرار اسرائيلي مستقل – الاستعداد لتنازل اسرائيلي عن مناطق خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، كما ستتحدد، والحفاظ على هذه الكتل المركزية كجزء لا يتجرأ من اسرائيل، مقابل تبادل الاراضي. ويمكن لمثل هذا الاستعداد ان يقوم على اساس اعداد خطة وطنية لاستيعاب المستوطنين، تشريع قانون الاخلاء الطوعي، تعويض واستيعاب المستوطنين الذين يسكنون في المستوطنات التي خارج الكتل، حوار داخلي لغرض منع الاشتعال الداخلي، والتخطيط لبقاء الجيش الاسرائيلي في مناطق ومواقع يحددها حسب الاحتياجات الامنية.

تبقي اسرائيل في ايديها السيطرة على الغلاف الامني والحدود الخارجية للمناطق التي يخليها الاسرائيليون الذين سيدخلون الى حدود الدولة كما ستتقرر. وفي كل الاحوال، فان اتخاذ الخطوات المستقلة بمبادرة اسرائيل وحدها سيتم في نقطة زمنية تقررها الحكومة، بعد أن تكون استعدت كما ينبغي، واستنفذت قدر الامكان مفاوضات التسوية، التي توشك على البدء هذه الايام. وفي حالة فشلت المحاولة الحالية للوصول الى تفاهم مع الفلسطينيين، يجب العودة للمحاولة المرة تلو الاخرى. ولكن على اسرائيل في حينه ان تبدأ بتطبيق الخطوات المستقلة بشكل تدريجي، مدروس، وواعٍ مع فحص تأثير كل خطوة قبل الانتقال الى الخطوة التالية.

منذ بداية مسيرة اوسلو أعلنت حكومات اسرائيل عن تأييدها لمبدأ "دولتين للشعبين"، وعملت، الى هذا الحد أو ذاك، على تطبيقه في المفاوضات او بشكل احادي الجانب. كما أن الحكومة الحالية برئاسة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أعلنت بأن هذا هو هدفها السياسي. ويستهدف هذا المبدأ الاستراتيجي الحفاظ على أغلبية يهودية حقيقية تحت حكم ديمقراطي ناجع ويرمي الى منع الخطر الكامن على الرؤيا الصهيونية في شكل الدولة ثنائية القومية، في التهديد الديمغرافي وفي المطالب العربية بحق العودة. وتعتمد المفاوضات، التي توشك على البدء، على منطق كل الجولات السياسية السابقة: ضمان مستقبل اسرائيل بصفتها الدولة القومية الديمقراطية والآمنة للشعب اليهودي. ويدور الحديث عن حل وسط تاريخي اساسه التقسيم الاقليمي للارض الموجودة بين النهر والبحر المتوسط الى دولتين قوميتين. وعليه، ففي المفترق الحرج الذي توجد فيه اسرائيل، عليها أن تستعد لترسيم حدودها بحيث تعكس أسس وجودها كما وجدت تعبيرها في اعلان الاستقلال: دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية.

 

مباط عليا