عمّن ستُفرج يا نتنياهو؟

بقلم: أريه إلداد

كان ذلك في صباح يوم جمعة في آخر شهر لي في تطبيقي الطبي في مستشفى "شعاريه تصيدق"، وكنت مناوبا قبل ذلك بيوم وكان يجب علي ان أناوب في السبت أيضا. وفي التاسعة والنصف خرجت من المستشفى وسافرت الى البيت لأنام قليلا. وقبل أن أصل الى "رمات اشكول" سمعت صوت الانفجار. لم تكن توجد آنذاك هواتف محمولة ولهذا تابعت السير الى البيت لاتصل بالمستشفى فقالوا لي انه وقعت عملية تفجيرية كبيرة وطلبوا ان أعود.

وحينما وصلت غرفة الطوارئ لم أنجح في الدخول فقد كان المدخل مسدودا بموتى وجرحى. كان ذلك في مبنى المستشفى القديم الذي بُني في أواخر القرن التاسع عشر. ولم يُخطط المدخل ليواجه تفجير ثلاجات مفخخة في ميدان صهيون. ولم تكن المستشفيات قد تدربت بعد على عمليات تفجيرية جماعية، وكانت سيارات الإسعاف والسيارات الخاصة التي أتت بالجرحى تنزلهم ببساطة عند مدخل غرفة الطوارئ وتعود عند أسفل شارع يافا لتأتي بجرحى آخرين.

جذبني بعضهم لأحاول إحياء بنت صغيرة، ربما كانت في العاشرة من عمرها. لكنني لم أستطع فعل الكثير وكان هناك أيضا ولد في عمرها تقريبا. وأذكر الصرخات: شابي! شابي! وكان هناك آخرون كثيرون. قُتل 15 إنسانا في تلك العملية وجُرح 60، جُرح عدد منهم جروحا بالغة جدا. ودخلنا غرف العمليات وأجرينا العمليات الجراحية حتى صباح الغد.

ورأيت عمليات كثيرة منذ ذلك الحين. وكنت في حروب، لكن كانت تلك هي العملية الأولى التي عملت فيها طبيبا، ومثل هذه الأمور لا تُنسى.

كان الذي جاء بالثلاجة الى ساحة الروس وحملها على العجلة لأخذها الى ميدان صهيون هو أحمد جبارة المشهور باسم "أبو سكر"، فهو رجل "حلو". وحينما قُبض عليه حُكم عليه بالسجن المؤبد وبثلاثين سنة أخرى، لكن بعد 27 سنة في 2003 أفرج عنه ارئيل شارون تفضلا تمهيدا لقمة العقبة كي تتم المحادثات مع الرئيس جورج بوش والرئيس أبو مازن والملك عبد الله في خريطة طريق السلام الذي كان يقترب في جو إيجابي.

تمتع أبو سكر بالحرية عشر سنوات. وقبل بضعة ايام مات بذبحة صدرية في رام الله وعمره 78 سنة. ودُفن بجنازة عسكرية كاملة في قريته في ترمسعيا. وأرسل أبو مازن باقة زهور وممثله الشخصي طيب عبد الرحيم ليقرأ التأبين الذي كتبه الرئيس. وقد سماه أبو مازن في التأبين "نفساً طاهرة". انه "صدّيق ومحارب مخلص بذل حياته للدفاع عن شعبه". وقد وعد جبريل الرجوب في صفحته على "الفيسبوك" بالاستمرار في السير في طريق نضال أبو سكر. وعرّف ممثل "فتح" في لبنان وعضو اللجنة المركزية عباس زكي يوم الجمعة ذاك المنقوش في ذاكرتي جيدا بأنها "عملية رائعة ونوعية باستعمال ثلاجة، وهو ما قض مضاجع العدو". وندبت الشبيبة موت بطل عملية الثلاجة وذكرت ان موته خسارة لكل الأحرار في العالم وللبشر جميعا.

على حسب المعتاد في السلطة الفلسطينية وعادة رئيسها أبو مازن المعروف بأنه معارض للإرهاب، ستُسمى باسم أبو سكر شوارع وميادين ورياض أطفال ومدارس ومكتبات بل ربما مصنع ثلاجات.

ينوي نتنياهو ان يفرج قريبا عن 120 قاتلا مثل أبو سكر. لكنه ينوي ان يفرج عنهم على دفعات في أثناء المحادثات كي لا يُصور بأنه يفرج عن قتلة ليحظى فقط ببطاقة دخول محادثات مع أبو مازن. أعدوا المناديل.