الإسرائيليون يتجرّعون "القرص المر"

بقلم: يوسي احيمئير

رأيت صباح أول من أمس امرأة نبيلة. رأيت امرأة متألمة. رأيت امرأة دامعة. رأيت امرأة محقة. د. غيلا مولخو. حتى يوم أول من أمس لم نكن نعرفها. وها هو يتبين أنها منذ 19 سنة هي أخت ثكلى. أخوها كان ضحية "إرهاب" فلسطيني في العام 1993 وقاتله يتحرر اليوم. ألمها المرير على إطلاق قاتل أخيها الى الحرية أعربت عنه بعاطفية ودموع أمام مشاهدي التلفاز.

صورة الوضع اليوم هي صورة إسرائيليين مقطبي الجبين وفلسطينيين فرحين. تعالوا نعترف بالحقيقة: معظم الإسرائيليين غير مبالين، يبتلعون القرص المرير. الغاضبون والحزينون هم أساساً من أوساط أبناء عائلات الضحايا. بالمقابل، في الطرف الفلسطيني، يفهمون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن القتل و"الإرهاب" مجديان. الجهد الاسرائيلي للقبض على "المجرمين" ملطخي الأيدي بالدماء جهد زائد لا داعي له.

ظاهراً يعطي بدء المفاوضات الأمل في أوساط محبي السلام. صحيح أن الثمن ليس زهيدا، ولكن من أجل هدف سامٍ كهذا، يجدر دفعه. وها هو ما نراه مع تحرير القتلة. انفجارات فرح في شوارع رام الله، ومظاهر حزن في أرجاء اسرائيل.

صورة اليوم في ارجاء السلطة هي استقبال الأبطال المحررين في صفقة كيري. فقد مكثوا في السجن الاسرائيلي على "بطولة" قتل نساء وأطفال. وهذا الفرح يدل اكثر من أي شيء آخر على الكراهية التي تعتمل في السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل ومواطنيها.

تخدم حكومتنا الفلسطينيين وتخدم الوسيط الأميركي. فالاستعداد لتحرير قتلة، في ظل المس بمشاعر قارب المغدورين، يشجع فقط الفلسطينيين على طرح المزيد فالمزيد من المطالب، وطرح المزيد فالمزيد من الشكاوى. وحتى قبل ان تبدأ المحادثات العملية، فإذا بالطرف القوي المزعوم (اسرائيل) يعرض بكامل ضعفه، بينما الطرف الضعيف المزعوم (الفلسطينيون) يظهر بكامل دهائه ومناعته.

إذاً صحيح، وفود أعضاء الكونغرس الأميركيين تغرقنا بزياراتها هنا، تداعبنا، في محاولة لرفع معنوياتنا. رئيس الوزراء، وعن حق، طرح أمام وزير الخارجية الأميركي موضوع التحريض ضد اسرائيل في المناهج التعليمية وفي وسائل الإعلام الفلسطينية. ولكن ليس كإملاء، ليس كإنذار، مثلما يتصرف الفلسطينيون تجاهنا في كل مسألة ونقطة.

أمام ناظرينا تظهر صورة مفاوضات غير متوازنة. مفاوضات بين مُطالب مدع مصمم وبين مطلوب منه مدعى عليه ضعيف. المفاوضات بين الطرف الفلسطيني، الذي يلاحظ جيدا ضعف نظيره، غير المستعد بان يتنازل عن ملمتر واحد من مطالبه لدرجة السير حتى النهاية، وبين الطرف الاسرائيلي الذي يبرر ويشرح نفسه المرة تلو الأخرى، يحرر قتلة أبنائه، بل وسيكون مطالبا بالمزيد فالمزيد من التنازلات بعيدة الأثر.

قلبي مع د. غيلا مولخو وباقي أبناء العائلات الثكلى. قتلة أعزائها يتحررون اليوم، وهذا يضيف لها كرباً وإحباطاً، ولكن الأخطر من ذلك هو الإحساس بانه قد لا يخرج نفع من هذه البادرات الطيبة. آجلا أم عاجلا قد تتفجر المفاوضات – اللامفاوضات. وبالأساس لأنها منذ بدايتها لا تعرف اسرائيل كيف تقف عند رأيها ببرودة أعصاب ومتانة موقف.

 

معاريف