فض الاعتصامات لمنع الحرب الاهلية

بقلم: تسفي بارئيل

من أطلق النار أولا؟ أين قتل معظم القتلى من بين المئات العديدة التي احصيت حتى الان من وزارة الصحة المصرية؟ هل كان هناك احتمال لحل سياسي بعد يوم من الفض العنيف والدامي لمظاهرات الاخوان المسلمين، تبدأ مصر المعركة على الرواية. بكلامه الهادئ والموزون، شرح وزير الداخلية المصري، محمد ابراهيم بان ”.

وافادت مصادر عسكرية رفيعة المستوى للصحافيين بان معظم القتلى اصيبوا بعد فض الاحتشادات في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وليس اثناءه و’فقط بعد أن بدأت العصابات تفتح النار على الجنود استخدم الجيش النار الحية’، كما روى احد المصادر.

اما للاخوان المسلمين فكانت رواية اخرى: ‘الجيش فتح النار الحية نحو المعتصمين في الميادين’. وسيكون تحديد الرواية الصحيحة من الان فصاعدا مهما على نحو خاص، ليس فقط من أجل منح الجيش الشرعية للعمل الذي يذكر بعهد مبارك. التأييد الجارف الذي حصل عليه الجيش من جانب حركات الاحتجاج يضعها هي ايضا امام اختبار الشرعية الجماهيرية ومصر بكاملها في جبهة امام الرأي العام العربي والعالمي.

‘انتصرنا في المعركة ولكن يحتمل أن نخسر في الحرب السياسية’، شرح لـ’هآرتس′ محلل مصري يكتب في صحيفة خاصة تعارض الاخوان المسلمين. ‘عنف الفض من شأنه ان يمنح الاخوان المسلمين تأييدا جماهيريا اكبر بكثير من ذاك الذي تمتعوا به في الاشهر الاخيرة.

لو كنا ذهبنا الى الانتخابات قبل الاحداث لتكبدوا هزيمة نكراء. اما الان، وبينما يمكنهم ان يعرضوا أنفسهم كضحايا للجيش ولحركات الاحتجاج، فقد بات من الصعب التقدير ماذا ستكون عليه نتائج الانتخابات. ومن شأنهم مرة اخرى أن يحققوا نصرا ساحقا وكل ما حققناه في 3 تموز/يوليو (عزل مرسي) سيضيع هباء’. دليل على هذا الاحساس سمع امس عندما انتقد ناشطو حركة ‘تمرد’ انتقادا لاذعا د. محمد البرادعي لقراره الاستقالة من منصبه نائبا للرئيس، واتهموه قائلين ان ‘هذا هروب من المسؤولية كان عليه ان يبقى في منصبه ويدافع عن قرار الحكومة والجيش’.

البرادعي، الذي علل استقالته في أنه لا يمكنه أن يتحمل المسؤولية عن عنف الجيش، كان من القلائل في الحكم الجديد الذي حتى اللحظة الاخيرة طلب مواصلة الجهد السياسي للوصول الى حل. وطلب البرادعي اشراك الاخوان في كل تشيكلة سياسية جديدة تقوم، لانهم ‘جزء لا يتجزأ من المجتمع المصري’.

زميله في الحركة، عمرو موسى، اكتفى فقط بدعوة المواطنين المصريين للوقوف موحدين امام اعمال الشغب ومنع المس بالاقلية القبطية. اما عن الفض العنيف ذاته، فلم يعقب بعد.

في اليوم التالي، حين فرض نظام الطوارئ على مصر، وتعيش الكثير من محافظاتها في حظر للتجول، لم تنته بعد المواجهات في الشوارع. فاحراق الاخوان المسلمين للمؤسسات العامة، وحرق نحو 40 كنيسة وموقع مسيحي ينتظر موجة الصدى التي من شأنها ان تشعل حربا طائفية. التخوف هو ايضا من اشتعال حرب عصابات مدينية بين ناشطي التيارات الراديكالية وقوات الامن، اغتيالات لناشطين ليبراليين ونقل جزء من الصراع العنيف من سيناء الى شوارع القاهرة.

ولكن الى جانب التأهب العسكري العالي والتجنيد الكامل لقوات الشرطة والمخابرات المصرية، يتعين على مصر ان تستعد ايضا للمعركة في الساحة الدولية، ولا سيما الساحة الامريكية. فالانتقاد المباشر والفظ من جانب وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي قال ان ‘العنف في أرجاء مصر مؤسف وهو ضربة في وجه مسيرة المصالحة السياسية والمواطنين المصريين الذين يتطلعون الى الديمقراطية’ من شأنه أن يشير الى انعطافة جديدة في السياسة الامريكية. في الكونغرس الامريكي تنطلق مرة اخرى أصوات لتجميد المساعدات لمصر، الى جانب مطالبة الرئيس باراك اوباما بتعريف استيلاء الجيش على الحكم بانه انقلاب عسكري. وفي اجزاء اخرى من العالم ايضا توجه السهام نحو القاهرة: فرنسا استدعت السفير المصري في باريس لتقديم الشروحات، وبالنسبة لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، فقد كانت هذه فرصة اخرى لمهاجمة الجيش المصري والمبادرة الى اجتماع خاص لمجلس الامن للبحث في ‘المذبحة في مصر’.

وزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي لا يسارع الى الانفعال من ردود الفعل في الغرب. فانتقاده الشديد لما وصفه بالتدخل الامريكي في الشؤون الداخلية لمصر سبق أن اطلقه قبل اسبوعين من على صفحات ‘الواشنطن بوست’. فقد اتهم الجنرال قائلا: ‘تركتم مصر، ادرتم ظهركم لمصر، والمصريون لن ينسوا لكم هذا’.

يبدو أنه مقتنع بانه بعد أن يبعد الاخوان المسلمين عن الشارع ويثبت بانه قادر على ان يتصدى للارهاب في سيناء ايضا، ستفهم الولايات المتحدة ان ليس لها شريك ناجع آخر غيره. الى جانبه تقف الان ايضا السعودية التي اوضحت للولايات المتحدة بان ليس في نيتها الضغط على السيسي لوقف هجومه على الاخوان. ويشهد على موقف السعودية عنوان الصحيفة السعودية الدولية ‘الشرق الاوسط’ التي اختار الصحافيون العاملون فيها صيغة لوصف الهجوم على النحو التالي: ‘مصر أنهت الاعتصام في ميدان العدوية’، في ما ان التقرير عن عدد المصابين غاب في طيات النبأ في ظل التشديد على عدوانية الاخوان المسلمين على قوات الامن. وهكذا ايضا شبكة ‘العربية’ السعودية التي أكثرت من التبليغ عن أعمال عنف الاخوان وأجرت العديد من المقابلات مع معارضي مرسي.

غير أن السيسي لا يمكنه أن يكتفي بتفريق المظاهرات وباعتقال قيادة الاخوان المسلمين. فمن دون الانتقال الى مسيرة سياسية متفق عليها، بموجب خريطة الطريق التي أعلن عنها في بداية تموز/يوليو، سيضطر الجيش الى مواصلة ادارة شؤون مصر ويكون المسؤول ليس فقط عن الامن فقط، بل ايضا عن خدمات الرفاه، الازمة الاقتصادية والجهاز التعليمي.

المفتاح للمخرج السياسي يوجد الان في ايدي الاخوان المسلمين الذين لا يزالون يترددون في اي استراتيجية يتخذون.

في الايام القريبة القادمة سيدعو الرئيس عدلي منصور والحكومة برئاسة حازم الببلاوي الى حوار وطني، بعد أن ردت دعوات سابقة من جانب الاخوان. والتقدير هو أن الاخوان سيطالبون بداية بتشكيل لجنة تحقيق في احداث يوم الاربعاء، للعثور على المتهمين ونقل اسمائهم الى النيابة العامة كشرط لكل حوار. ولكن عندما يواصل الجيش تحديد الخطوات السياسية ولجنة صياغة الدستور ستنهي صياغة التعديلات الدستورية، او اتخاذ القرار في صيغة الدستور الجديد بعد نحو اسبوع، فان من شأن رفض الاخوان المسلمين المشاركة في اللجنة أن يحرمهم من امكانية التأثير على الدستور. من ناحيتهم هذا قرار استراتيجي ذو آثار بعيدة المدى، وذلك لان الحركة التي فازت في الحكم في انتخابات ديمقراطية وكانت رمزا للثورة، من شأنها أن تجد نفسها في مكانة معارضة خالدة.

حسب مصادر مصرية مقربة من الاخوان، يدور في الحركة جدال عسير في مسألة كيفية الرد على مطلب عزل مرسي وهل ينبغي الانضمام الى حوار وطني يبقي لدى الحركة على الاقل جزءا من وظائف الحكم. في اليومين اللذين مرا تم حتى الان تبادل للاتهامات بين من يعتقد ان الصراع يجب أن يستمر وبين من يدعي بان الصراع ضد الجيش ابعد فقط الحركة عن الجمهور ومنح ‘مجموعات عديمة المسؤولية’ صلاحيات ادارة سياسة فاشلة. وستكون الايام القريبة حرجة، سواء من ناحية الاخوان المسلمين ام من ناحية حركات الاحتجاج التي سيتعين عليها أن تقرر اذا كانت رؤية ثورتهم ستتواصل وتبقى ام تعتمد على حراب الجيش.

هآرتس

حرره: 
ز.م