حتى في اليسار يفقدون الثقة

بقلم: أفيعاد فوهورلس

قبل مساء أمس (الأول) اتصل بي اريك اينشتاين. نحن نتحدث كثيرا، اريك وأنا. كل يوم تقريبا، واحيانا حتى بضع مرات في اليوم. دائرة احاديث واسعة جدا: رياضة، سياسة، اعلام. الكثير من المرات تتوقف عند سلوك الناس وتصرفاتهم. اريك مقلد عظيم، وهو يلتقط الاختلافات الطفيفة من الضحية المناوب على جدول الأعمال بعبقرية محفوظة له

كان يمكن لاينشتاين ان يكون المراقب التلفزيوني المطلق. فهو يجلس كثيرا أمام الشاشة. ومع ان عيناه مريضتان وتعبتان منذ سنوات عديدة، الا انهما لا تزالان حادة بما فيه الكفاية كي يلتقط الرسائل في القنوات المختلفة. وعن كل ساعة أو برنامج أو مذيع توجد ملاحظات عميقة. من ناحيتي، اعتبر هذا درسا فنيا خاصا، لمرة واحدة. واعترف بأني محظوظ
قبل مساء امس (الأول)، بعد وقت قصير من انتهاء نشرات ما بعد الظهيرة، كان على الخط مصدوما. فقد تحدث معي عن اعادة السجناء الفلسطينيين الذين كان القسم الأكبر منهم مشاركين في اعمال قتل لمواطنين اسرائيليين. وتحدث معي عن الاحتفالات المخطط لها في السلطة الفلسطينية وفي غزة على شرف العائدين الى بيوتهم من السجن الاسرائيلي. وهؤلاء ليسوا مجرد سجناء مكثوا في السجن، كما اشركني في مشاعره، هم "قتلة" طعنوا بالدم البارد، "متوحشون" حقيقيون. أنا لا افهم كيف انهم في الطرف الاآر، خلف الحدود، لا أحد يستيقظ ويثور ضد هذه الاحتفالات. أنا واثق ان عندهم ايضا يوجد أناس طيبون، لكن هناك لا أحد ينهض ويتحدث. متى سيكون هناك رجل فكر ما من بين الفلسطينيين ويقول لهم انه لا يوجد ما يمكن الاحتفال به وما يمكن التباهي به؟ واولئك الاوروبيون يا لهم من مزدوجي اخلاق
أسمع نفسه يصعد ويهبط. العصبية والدهشة البريئة لديه تحرقاني. هذه الأقوال يقولها اريك اينشتاين، المغروس عميقا فيما يعرف في اسرائيل بـ "معسكر السلام"، المعسكر السوي الذي يبحث تقريبا بكل ثمن عن حل وسط. آينشتاين هو التفسير للفجوة الكبيرة التي فتحت في الاستطلاعات في الأسابيع الأخيرة، بين اغلبية الجمهور الاسرائيلي المستعد، في اعقاب مبادرة وزير الخارجية كيري، لحل وسط اقليمي مع الفلسطينيين، وبين الأغلبية من ذات الجمهور الذي لا يؤمن بامكانية الاتفاق
يمكن أن نتفهم اسرائيل التي حررت سيارات مصلحة السجون مع السجناء في ظلمة الليل من أجل الامتناع عن مشاهد فرح ورفع شارات النصر في الطريق الى الحواجز. ألم العائلات الثكلى والثمن الزهيد الذي تدفعه الحكومة مقابل ما تجد صعوبة في أن تريه كتقدم سياسي هو جزء من الواقع المركب الذي تواجهه اسرائيل منذ سنوات جيل – محاولة تحريك المفاوضات، سواء كانت واقعية أم حتى وهمية، حيال الطرف الآخر، الفلسطيني، الذي يجد صعوبة في أن يتخذ لنفسه سلوكا أساسيا يبني الثقة في الطرف الاسرائيلي. حتى لو جلست تسيبي ليفني وصائب عريقات مئة مرة اخرى، او حتى ألف لاحتساء القهوة مع الكعك في واشنطن، في لندن أو في كومزتس في شاطئ طنطورة، فلا يمكن ان يكون تغيير حقيقي في الرأي العام الاسرائيلي باتجاه الثقة في امكانية الاتفاق اذا كنا في كل حدث لاعادة "سجناء" – وهو التعبير المبيض "للقتلة" الذين لم يقتلوا جنودا في معركة وجه الى وجه بل طعنوا واطلقوا النار على اطفال ومواطنين عديمي الحيلة – سنبقى نرى الألعاب النارية في سماء رام الله وتوزيع البقلاوة
المعركة على الرأي العام الاسرائيلي لم تعد بين جمهور ناخبي اوري ارئيل وتسيبي حوتوبيلي بل بين جمهور شلومو آرتسي وأريك آينشتاين.

معاريف 

حرره: 
ز.م