صنع السلم أم كسب الوقت؟

بقلم: يوسي فيرتر
دأب إيهود باراك على القول: «النزاع بيننا وبين الفلسطينيين نزاع زراعي. كل واحد يريد دفن رأس الثاني في التراب». 

دخلت تسيبي ليفني أمس الأول الغرفة، مليئة بالنيات الحسنة وإرادة أحسن، تقود للأسف إلى حيث نعلم. فمكانتها السياسية وماضيها وحاضرها ومستقبلها، مكرسة لما سيحدث أو لا يحدث بينها وبين صائب عريقات في الشهور التسعة المقبلة. وتؤمن ليفني بأنها الإسرائيلية الوحيدة المؤهلة لتحقيق تسوية دائمة، وأن خبرتها كمفاوضة في عهد أولمرت، وشهرتها كشخص جدي يريد السلام، وأنها موثوقة وجذرية إضافة للتغيير الذي طرأ بحسب قولها على رئيس الحكومة، ستفعل فعلها هذه المرة
وطوال سنوات دأبت ليفني على القول انهم فقط إذا سمحوا لها بدخول الغرفة، فإنها ستــخرج من هنـاك بتسوية. وهي بالتأكيد فكرت بالوضع الذي تكون هي فيه رئيسة للحكومة، أو للأسف وزيرة للخارجية في حــكومة وسط - يسار، وليس عندما تخضع لبنيامين نتنياهو وكل كلمة أو عطسة تصدر عنها تخضع لمراقبة الوصي، اسحق مولخو
والشهور الـ 13 التي جلست فيها قبالة عريقات وأبو علاء في عامي 2007-2008 ساعدتها في بناء صورة رائدة فكرة الدولتين في إسرائيل. لكن الأمر انتهى بفشل. صحيح أنها فاوضت، تحدثت وحاضرت، وأحيانا وعظت، كما اشتكى الفلسطينيون منها، لكن المفاوضات الحقيقية دارت في القناة الهامة لأولمرت ومحمود عباس، بينما أشرك الأخير مبعوثيه في فحوى الاتصالات مع رئيس الحكومة الذي اشتبه بليفني ولم يثق بها، وتجنب إدخالها في التفاصيل
وبلغت هذه السخافة ذروتها في أيلول 2008، حينما وضع أولمرت أمام الرئيس الفلسطيني اقتراحا شاملا وبعيد المدى لتسوية نهائية، متجاهلا بشكل تام المسار الموازي. وحتى ان هذا الاقتراح، الذي لم يكن ليخطر ببالها أن تدعمه، خصوصا في مسألتي القدس واللاجئين، لم يحظ بالرد
وحاليا، ما لم تفتتح قناة، سرية أو علنية، بين نتنياهو وعباس، فإن ليفني ستكون اللاعبة الوحيدة من الجانب الإسرائيلي. لكنها مجرد دمية على الخيوط، يشغلها رئيس الحكومة. في النهاية يعودون دائما إلى نقطة البداية: ماذا يقصد نتنياهو، وإلى أين يسعى، وماذا يدور في رأسه. هل فعلا قرر اجتياز الحدود، أم أنه فقط يحاول كسب الوقت، وتأجيل قدر الإمكان فرض العزلة والمقاطعات والعقوبات من عالم ضجر الاحتلال
والناس الذين تلتقيه تسمع منه أقوالا تستقيم عموما مع ميولها السياسية. فالرجل الوسط - يسار يقول انه عازم على الذهاب أبعد ما يكون لمنع خطر الدولة الثنائية القومية، وأن نظرية إدارة الصراع أو تدويره، أفلست. ورجال اليمين الذين يخرجون من عنده ليسوا مقتنعين بأنه استبدل القرص الصلب. إنه نتنياهو. وهو دوما يعرف كيف يمنح محاوريه شعورا طيبا. قلة تخرج من عنده غاضبة
أما زعيمة المعارضة شيلي يحيموفيتش، التي التقته الأسبوع الفائت، فسئلت عن احتمال أن تتجند سريعا هي وكتلتها لتأييد صنع السلام. فأعربت عن شكوك كبيرة في أن تكون ليفني من يحقق الاختراق المأمول. وللمرة الأولى تشرح يحيموفيتش شروطها لدخول حزب العمل للحكومة: 1، نشر خطة سلام أميركية تتضمن الترتيبات الأمنية والضمانات المنوي تقديمها لإسرائيل. 2، قرار حكومي ببدء إخلاء المستوطنات المنعزلة. 3، انسحاب البيت اليهودي. إذاً الطريق طويلة قبل حلف يحيموفيتش اليمين وزيرة في حكومة نتنياهو
وتقول زعيمة حزب العمل ان «كل ما يقل عن هذا لن يكفي. إذا ظن نتنياهو أنه سيحصل علينا بالمجان، مثل باراك العام 2009، فإنه يرتكب خطأ جسيما. وشراكة باراك في الحكومة السابقة تمثل شارة إنذار عندي. لم يحدث شيء على مر تلك السنين، حتى عندما كان حزب العمل، أو الاستقلال، في الحكومة. والعكس صحيح: إذا دخلنا الآن، فلن نكون عنصرا مسرعا للعملية السياسية، وإنما عنصرا معرقلا. لحظة نكون هناك، نتنياهو سيظن أن بوسعه كسب المزيد من الوقت». 
جئنا للتمايز 
وكان مثيرا للاهتمام هذا الاسبوع مراقبة الشريكين الكبيرين في حكومة نتنياهو، على خلفية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وإعلان عطاءات بناء 1200 وحدة سكنية في القدس والكتل الاستيطانية
فقد أقام وزير الإسكان والبناء، أوري أرييل، الرجل الثاني في البيت اليهودي، استعراضا للقوة السياسية في حي جبل المكبر جنوبي القدس. هناك، مع رئيس البلدية نير بركات الطامح لأصوات المتدينين الوطنيين في العاصمة، وضع الحجر الأساس لحي جديد من 63 وحدة سكنية. لم يضع فقط وإنما أعلن أيضا على طريقة الكاوبوي أن البناء في يهودا والسامرة سيتعاظم ويزداد إن شاء الله
وفي الأسبوع الذي اضطر فيه نتنياهو للإفراج عن قتلة يهود فقط بسبب رفضه اختيار أسلوب تجميد الاستيطان، وهو قرار سيدفع بسببه ثمنا باهظا لدى الجمهور الإسرائيلي (بسبب الإفراج). وبموازاة ذلك سيتلقى انتقادات شديدة في العالم (بسبب البناء الاستيطاني)، لكنه نال شكر البيت اليهودي: الاعتراض، التظاهر فوق التلال، وغرز اصبع آخر في أعين الأسرة الدولية
فماذا أفاد استعراض الرعب الذي قام به أرييل دولة إسرائيل في هذا الوقت؟ لا شيء أبدا. وإذا كان قد حدث شيء فإنه ضرر خالص للإعلام الإسرائيلي. ومن المشكوك فيه أن هذا السيرك الصغير يخدم أيا من مصالح أرييل وحزبه على المدى البعيد. فالمستوطنون صفقوا لهم، وهذا جيد. بالمناسبة، دان مجلس المستوطنات هذا الأسبوع نتنياهو على ما أسماه«التجميد الهادئ»، ووبخه لأن العطاءات كانت نوعا ما «أقل من اللازم ومتأخرة جدا».ولا ريب في أن هذه العصابة تخلق اسما سيئا للجحود
وكان متوقعا أقل إعلان الإدانة من جانب وزير المالية لنشر العطاءات. فيائير لبيد الذي أعلن في الماضي (بالتشاور مع مستشاره أوري شني، الذي حذره من تصنيفه كيساري) أنه لن يؤيد أية تسوية سياسية تتضمن تقسيم القدس («لأن القدس فكرة والأفكار لا تقسم»)، وصف الإعلان بأنه «خطأ مزدوج»، و«اعتراض لا حاجة له أمام الأميركيين ووضع عصي في دواليب محادثات السلام». 
في مكتب رئيس الحكومة أضيئت مصابيح الإنذار. فميل لبيد يسارا فاجأ رئيس الحكومة ودفع المحيطين به للتساؤل بينهم وبين أنفسهم عما إذا لم تكن هذه السنونوة الأولى التي تبشر باستراتيجية جديدة لدى رئيس «هناك مستقبل»: استراتيجية التمايز، التي قد تقود في المستقبل إلى إخراج لبيد إلى خارج الائتلاف الحكومي
ولم يبد لبيد حتى اليوم اهتماما خاصا بالعملية السياسية، عدا إعلانا عموميا عن تأييده فكرة حل الدولتين التي هي جيدة في نظره. وقد أعرب عن تعاطفه مع المستوطنات، لكن خلال الشهر أو الشهرين الأخيرين حدث شيء ما: لبيد يتراجع في استطلاعات الرأي. وحزبه يخسر مقاعد، وناخبوه ينفضّون عنه، بتراجع طفيف لكن منهجي، وبخلاف تام للميول السابقة، فإنه لا ينضم إليهم ناخبون جدد
ويعتقد وزراء في الليكود أن من الجائز أن لبيد، الواعي لضعفه المتزايد، توصل إلى استنتاج بأن عليه أن يتمايز عن القائد المهيمن الجالس في ديوان رئاسة الحكومة. ولقب مذيع نتنياهو الذي ألصقته به شيلي يحيموفيتش، بات شائعا. وفي أماكن أخرى، بما في ذلك المعاقل الخائبة الأمل من هناك مستقبل، يقولون عنه انه عميل لنتنياهو، أسير نتنياهو، مقاول تنفيذ السياسة الاقتصادية لنتنياهو
ومن الجائز أنه بدأ يفهم أن نجاته لن تأتي من وزارة المالية، وأنه ارتكب خطأ جسيما بدخوله هذا الجحيم. وقد فكر هذا الأسبوع بصوت مرتفع وزير كبير في الليكود، معتبرا أن لبيد يعد لنفسه المخرج، طريق الفرار من الحكومة، تحديدا حول الموضوع السياسي. وإذا كان لبيد قد اختار، حتى في الأسبوع الذي سكتت فيه ليفني عن مسألة العطاءات، الالتفاف على نتنياهو من جهة اليسار، فربما أننا شهود على بداية عملية تمايزه وحزبه عن نتنياهو.
وفضلا عن ذلك يتطلب الأمر قدرا غير قليل من الوقاحة من جانب وزير المالية للاحتجاج على الخطأ والاعتراض على قضية العطاءات التي أعلنتها وزارة البناء والإسكان. فقط قبل خمسة شهور لبيد استلقى على الجدار من أجل الأخ نفتالي بينت. وهو الذي من دونه، كما يعترف بينت نفسه، كان البيت اليهودي سيتيبس اليوم في المعارضة إلى جانب حنين الزعبي وإبراهيم صرصور
فلماذا يلجأ لبيد اليوم للاحتجاج لدى نتنياهو على البناء في المستوطنات؟ وماذا ظن في نفسه في أيام الخفة والغطرسة في شباط - آذار، حينما كان الائتلاف يتبلور، أن بينت وأرييل سيركزان على البناء داخل الخط الأخضر؟ 
إن ما طبخه لنا لبيد هو ما نأكله اليوم. أو تشبها بالقول المأثور: من يذهب للنوم مع الكلاب الضالة فعليه ألا يتفاجأ إن استيقظ مع البراغيث