مسيحيون مُحاصرون في مصر

بقلم: أفيعاد كلاينبرغ
يحرقون كنائس في مصر مرة اخرى، يحدث هذا من وقت لآخر حينما توجد ازمة وطنية، أو حينما يُدفع شخص من أبناء الأقلية القبطية الى صراع مع شخص ما من أبناء الأكثرية المسلمة، لماذا؟ لأن كونك عربيا ‘حقيقيا’ يعني ان تكون مسلما. ويرى كثيرون في مصر (وفي دول مسلمة اخرى) أن الاسلام هو الرباط القومي ـ الثقافي للمجتمع المصري، كما ان اليهودية هي الرباط الثقافي ـ القومي للمجتمع في اسرائيل. ومن لا ينتمي الى الدين الحاكم، لا يكون عديم حقوق المواطنة، لكن يُنظر اليه بالمعنى العميق على أنه نبتة غريبة.
إن هذا التصور متناقض لأن النبتة الغريبة في البلدين هي الأكثرية على الخصوص. فقد كانت القلة الدينية في مصر هناك قبل الكثرة، كما في اسرائيل. وكانت المسيحية الديانة الحاكمة في مصر قبل الاسلام. والاقباط هم أبناء السكان القدماء في البلاد هناك، حينما جاء المحتلون المسلمون في القرن السابع. ولم تأت المسيحية القبطية مع الاستعمار بخلاف كثير من بلدان العالم الثالث. فهي قديمة وعميقة الجذور كالتيارات المسيحية غير الغربية في العراق ولبنان وسورية. وإن وضع المسيحيين في هذه البلدان كلها غير جيد، بل سيئ جدا (قُتل بحسب التقديرات في السودان نحو من مليون مسيحي) في بلدان مسلمة اخرى.
لم تكن الحال كذلك دائما، فالاسلام دين أكثر تسامحا من المسيحية، من جهة تاريخية. وقد كان وضع المسيحي الذي يعيش في البلدان الاسلامية حتى القرن العشرين أفضل كثيرا على الدوام تقريبا من وضع المسلم الذي كان يريد ان يعيش في البلدان المسيحية. وتغير كل ذلك في العصر الحديث، فتبنى الغرب تصور التسامح الديني وطمس على هويته المسيحية. وفي مقابل ذلك قوّى العالم الاسلامي العلاقة بين القومية والاسلام. يُرى الاقباط، رغم جذورهم القديمة في مصر كما قلنا آنفا، أقل مصرية من مواطني الدولة المسلمين، والنظرة اليهم هي بحسب ذلك. فحينما يشعر المسلمون بأنهم مهددون يهاجمون الطوائف المسيحية المحلية.
ليس الحديث فقط عن ازمات محلية: فحينما نشرت صحيفة دنماركية رسوما كاريكاتورية عن النبي محمد أحرقوا كنائس في أنحاء العالم الاسلامي كله. وحينما يريد الاخوان المسلمون ان يعبروا عن هويتهم الدينية في مصر فانهم يفعلون ذلك بالهجوم على اخوانهم المسيحيين.
لا تشجع السلطة هذه الهجمات، ولأنها تقبل، نظريا على الأقل، تصور المواطنة الغربي الذي يرى جميع سكان الدولة مواطنين متساوين في الحقوق، فانها تندد بالهجمات على مواطنين محافظين على القانون مهما تكن ديانتهم، لكن السلطات في واقع الامر تميل الى اغماض عيونها. ولا يعاقَب مُحدثو العنف أبدا تقريبا، أو يعاقبون عقوبات طفيفة جدا.
ورغم ان الاقباط يبلغون نحوا من 10 في المئة من سكان الدولة، فان تمثيلهم في المؤسسات الحاكمة، كما هو في المؤسسات العلمية ايضا، ضئيل. وإنك لتجد في مصر دائما وزيرا قبطيا أو حاكما قبطيا. ويُدعى رؤساء الكنيسة الى احتفالات رسمية (ويعلنون ولاءهم للسلطة)، لكنه يوجد على نحو عام تفاهم صامت على أنه يجب على أبناء القلة ان يعرفوا مكانهم.
ويفضي هذا الوضع الى هجرة مسيحيين كثيرين في البلدان الاسلامية من دولهم. وتنخفض نسبتهم من السكان بالتدريج، ولا يهم هذا الأكثرية في بلدان المهاجرين، بل ربما العكس هو الصحيح. لكن ما يفاجئنا بصورة أكبر شيء ما حقيقة ان هذا الوضع مقبول على الغرب ‘المسيحي’ ايضا. فالمضايقات التي لا تنقطع والتمييز الذي تعانيه الأقليات المسيحية تُرى في الغرب مشكلة داخلية. وهذا شأن ثقافي لا يحسن التدخل فيه. هل يقتلون المسيحيين في الجزائر أو في السودان؟ وهل يحرقون الكنائس في مصر؟ هذا أمر غير مقبول لكنه ليس فظيعا حقا ايضا.
ما الذي يمكن ان نتعلمه من هذا؟ نتعلم انهم في الدول التي يكون التعريف القومي فيها ذا صلة قوية جدا بالتعريف الديني، لا يكون من الافضل ان تنتسب الى دين القلة، وهذا ليس في مصر وحدها.