لا علاقة بين السلام وقيام الدولة الفلسطينية

بقلم: د. رون برايمان
عرّف ألبرت آينشتاين عدم سلامة العقل "بأن يتم فعل الشيء نفسه مرة بعد أخرى وتوقع نتائج مختلفة". من المهم أن نقول هذا لمؤيدي "أوسلو" الأصليين ولمن يسيرون في طريقهم ممن هم مستمرون في ضرب رؤوسهم بالجدار وتوقع نتائج تختلف عن تلك النتائج الخطيرة التي كانت من نصيبنا منذ ذلك الحين بعد عشرين سنة من الجنون الأول.
كان الافتراض الأساسي في العشرين سنة الأخيرة أن السلام في "ارض اسرائيل الغربية" مقرون بانشاء دولة فلسطينية اخرى في قلب البلاد: "الاراضي مقابل السلام". ومنذ ايلول 1993 غُسلت أدمغتنا بزعم انه لا يمكن تحقيق السلام دون انشاء دولة كهذه تُضاف الى تلك الموجودة شرق الاردن، ونحن نضرب رؤوسنا بالجدار مرة بعد اخرى، ويسير قادة "اليمين" واحدا بعد آخر في طريق كل مؤيد لـ "أوسلو".
روّج اسحق رابين لـ "مسيرة السلام" باعتبارها تجربة يمكن وقفها، لكن التجربة على حياة ملايين البشر من اليهود والعرب تمت لا بحسب المعايير المحددة في ميثاق هلسنكي حتى فيما يتعلق بالتجربة على انسان واحد. فعلى سبيل المثال لم يوجد ثمة تقدير حذر للأخطار قياسا بالفائدة المتوقعة للاشخاص الذين يجري عليهم البحث؛ ولم يُحترم حق من يجري عليهم البحث في التخلي عن موافقتهم على المشاركة في البحث؛ ولم يتم وقف التجربة حينما تبين للجميع أنها تتطور في اتجاهات لم يتم توقعها قبل ذلك – رغم ان كثيرين أخيارا حذروا قبل ذلك من المتوقع ومن أن الأخطار المصاحبة تغلب الاحتمالات.
لو وُجد باحث نزيه لأوقف بحثه حينما رأى فشل افتراضاته الأساسية. لكن التجربة الخطيرة في اوسلو بخلاف هلسنكي مستمرة مع تجاهل للمنطق والاخلاق ودون ان يتم الفحص من جديد عن الافتراض الأساسي.
من كان يريد السلام يجب ان يسأل نفسه: هل الدولة الفلسطينية هي أساس السلام حقا؟ أم هي جهاز للقضاء عليه والقضاء على دولة اليهود؟ يقول العدو علنا، ويشمل ذلك العناصر "المعتدلة" فيه وإخوتهم "الأشرار" أن هدفه ليس السلام بل فلسطين الكاملة، وضفتين فلسطينيتين للاردن. وفي اسرائيل وحدها وعلى أثرها العالم كله ما زالوا يدفعون ضريبة كلامية لشعار "السلام": دولتين للشعبين.
يجب على من يريد السلام ان ينظر في الواقع بعينين مفتوحتين وان يقول الحقيقة وهي انه لا يمكن تحقيق سلام اذا كان يقوم على طرد عنصري لليهود من بيوتهم في ارضهم؛ واذا كان المبدأ في أساسه ضدا لليهود وضدا للديمقراطية وضدا للصهيونية وضدا للاخلاق؛ واذا لم يكن اقليميا بل كان محدودا داخل "أرض إسرائيل الغربية". كانت "رؤيا" تقسيم البلاد وما زالت خديعة. ومن العار الشديد ان إسرائيل صدرتها الى العالم الذي لم يُحجم عن تبنيها. وستكون نتيجتها استئناف حرب "أوسلو" في الأمد القريب والقضاء على إسرائيل بعد ذلك.
لم يترك العدو منذ عشرين سنة مطالبه التي تعني القضاء على الدولة اليهودية. فكيف الحال عندنا؟ تراجعت الرؤيا الصهيونية في وجه "رؤيا" الدولتين؛ وتقوي إسرائيل المخربين "الصالحين"، بل إنها تُلبي حاجات "المخربين" الأشرار؛ وتحول السلام الى "سلام"، وأخلى هذا مكانه لهدف التفاوض الحالي وهو دولة للعدو؛ واختفت التبادلية – فالعرب يبنون في جد (أنظر إلى روابي)، أما وباء التجميد فلا ينطبق إلا على اليهود فقط حتى في القدس؛ ونُسيت التبادلية؛ ولا يتحدثون إلا عن لاجئين عرب ويُنسون اللاجئين اليهود؛ والاستيطان مُجمد منبوذ، وينكل المنافقون في الداخل به.
هل محادثات مباشرة دون شروط مسبقة؟ هذا كذب! فالشرط المسبق الذي ليس سوى إملاء هو انشاء دولة للعدو داخل الربع الذي بقي من "أرض إسرائيل الكاملة" في الحقيقة، بل إن إسرائيل لا ترى أن ذلك شرط مسبق بل تراه أساسا لـ "السلام". هل أفق سياسي؟ نسيت حكوماتنا أن عملها هو ان تُنشئ أفقا سياسيا للدولة اليهودية لا للعدو.
إن نتنياهو مُحتاج الى قرارات حاسمة صعبة وهي قطع الصلة الكاذبة بين السلام والدولة الفلسطينية غرب الأردن.