السلام المتعذّر: إنهاء الاحتلال ضرورة وجودية لإسرائيل

بقلم: أمنون أبرموفيتش
هذه الأيام عندما تكون مصر، سورية، لبنان، والعراق تشبه المسالخ أكثر مما تشبه الدول، تدخل اسرائيل في مسيرة سياسية، وان كانت متواضعة وصامتة. بدون خمسين رئيس وزراء ووزير خارجية مثلما في أنابوليس، بدون دزينة وزراء من دول عربية، وبدون رئيس أميركي ملتزم بحل وبموعد، هكذا يكون الأمر مناسبا وملائما. ما الذي تريدينه منا يا عزيزتي؟
لا ريب أنه بدلا من تحرير السجناء كان يمكن لنتنياهو ان يوافق على تجميد البناء في "المناطق"، تسعة أشهر. تحرير السجناء عمل مقبول؛ اما التجميد فعمل مردود. إذا نجحت المفاوضات، فستنقل "المناطق" الى سيطرة فلسطينية. واذا فشلت المفاوضات فسيكون ممكنا مواصلة البناء بضربات المطارق وحركات الرافعات. غير أن اللون السائد في هذه الصور هو اللون السياسي. عشية تجميد البناء السابق تعهد رئيس الوزراء بان يكون التجميد لمرة واحدة. السياسيون مستعدون لكسر أمور كثيرة، ولكنهم غير مستعدين لكسر الكلمة. إذ ما الذي سيقوله الدانونيون المنخرطون في الحزب وبماذا سيصرخ الارئيليون الذين في الائتلاف؟ صحيح، نتنياهو كتب كتبا ومقالات تشجب الاستسلام لـ "الارهاب" وضد تحرير "المخربين"، ولكن هذا كان منذ زمن بعيد، وهو محفوظ لدى من يجيد القراءة ويجمع الرأي.
تعالوا نفترض بأن هناك شيئاً ما في الادعاء الممجوج الذي يقول: "لا شريك". وان ابو مازن لا يسيطر في قطاع غزة ولا يمثله. وان الله وحده يعرف كم هو يمثل حقاً سكان الضفة الغربية. فقد انتخب لمنصبه قبل نحو تسع سنوات، ومنذئذ لم ينتخب مرة أخرى.
لنفترض اننا مخطئون وان هناك شيئا ما حتى في حجة التحريض. في المواقع الالكترونية الرسمية للسلطة الفلسطينية، في وسائل اعلامها الناطقة بلسانها، في مناهج التعليم لديها، وفي المخيمات الصيفية التي تعقدها يوجد تحريض عنصري فظ ضد دولة اسرائيل وضد اليهود. فمثلا صورة هتلر التي تذيل بعنوان: "أبدتُ معظم اليهود وأبقيت بعضهم على قيد الحياة كي تفهموا لماذا". امور من هذا النوع.
21 مسألة معلقة الان، موضوعة للبحث، بين الوزيرة تسيبي لفني والمحامي اسحق مولخو وبين مندوبي السلطة الفلسطينية. في معظمها يمكن تحقيق تقدم. القليل منها غير قابل للحل في هذا الوقت. يخيل لي انه على الاعتراض الفلسطيني على التسويات المرحلية سيتغلبون من خلال صيغة "تسويات انتقالية".
يثير نتنياهو الاشتباه الدائم والمستمر في البلاد وفي العالم، في اوساط اليمين وفي اوساط اليسار، لدى السذج ولدى الامعات على حد سواء. وأنا أنتمي الى اولئك، السذج، الذين يعتقدون بانه يفهم فهما جيدا تهديد الدولة ثنائية القومية وثمن العزلة والشجب، كلفة المقاطعة العلنية، والعقوبات الخفية. اسلافه فهموا هذا، بل كانوا مستعدين للمخاطرة شخصياً وسياسياً، ولكن لحسن ذاكرتي أسلافه أيضا لم يقتربوا مسافة لمسة من التسوية السلمية: ايهود باراك، ارئيل شارون، ايهود اولمرت.
لو كانت تترأس حكومة إسرائيل زهافا غلئون او لو لقب دوف حنين برئيس وزراء فمن المشكوك فيه ان يلتقيا، في لحظة حقيقة وسداد عقل، بمطالب السلطة الفلسطينية. من المشكوك فيه لو كان معهما، أن يوقع أبو مازن معاهدة سلام تتضمن انهاء للنزاع ونهاية كل المطالب على خطوط 67 او على ارض 67، خلافا للمطالب التي لا تنتهي.
هذا هو العقد الخامس الذي يخلط فيه الخطاب الاسرائيلي بوعي او بغير وعي مسألتين مستقلتين تقيمان بينهما صلة ما: مسألة الاحتلال ومسألة السلام. لصنع السلام، بالضبط مثل التانغو مطلوب اثنان. لانهاء الاحتلال او تقليصه – يكفي واحد. المسيرة السياسية هي بمثابة تأمين الزامي للحركة في المجال العالمي. إنهاء الاحتلال هو ضرورة وجودية لإسرائيل. وعليه فمن المهم الدخول الى المفاوضات. وعليه فمن المهم أكثر الكف عن بذل الطاقات والمقدرات في "المناطق". وإذا سمح لي بأن اقع في خطيئة الصوت الخفيض في أنه يجب القول بانه ينبغي وضع سياسة وقيادة خط أقول هذا على النحو التالي: الاحتلال لا يمكن احتماله. السلام على ما يبدو متعذر.