مفترق طرق الفريق السيسي

بقلم: يوسي بيلين

حينما عيّن محمد مرسي السيسي وزيرا للدفاع المصري بدا أنه قريب جدا من تصوره الايديولوجي، وأنه الأنسب ليكون رجل ثقته. ولم يمض وقت طويل حتى عزل على أكتاف الثوار الرئيس الفاشل وانشأ حكومة اخرى بقي وزير الدفاع فيها.

لم يخش مواجهة عنيفة مع مؤيدي مرسي وأبعدهم عن ميادينهم وكانت كلفة ذلك إزهاق أرواح كثيرة. وهو اليوم يجد نفسه تحت انتقاد غير سهل في الداخل (لا من الاخوان المسلمين فقط، بل من ليبراليين ايضا مثل محمد البرادعي)، وانتقاد قاسٍ من الخارج ولا سيما من اوروبا والولايات المتحدة. حينما عُين لمنصبه لم يتنبأ بالموضع الذي سيصل اليه. وقد يكون رأى نفسه حين تعيينه شبيها بسنسنتوس وربما يطمع اليوم في مقام أتاتورك.

عاش لوكيوس سنسنتوس في روما في القرن الخامس قبل الميلاد وكان قائدا وفلاحا. وحينما حاصر أعداء في سنة 460 قبل الميلاد روما اختاره مجلس الشيوخ لمنصب قنصل وديكتاتور ودُعي لانقاذ الوضع. وحينما جاءوا ليُبلغوه انتخابه وجدوه مع محراثه في الحقل. وجاء سنسنتوس الى العاصمة ونظم الجيش وحاصر أعداءه وأبطل التهديد وعاد الى قريته بعد 16 يوما. وبعد ذلك بسنين حينما كان في الثمانين من عمره أُعيد الى منصبه كي يمنع سبوريوس ماليوس من أن يتوج نفسه ملكا لروما. وبقي هذه المرة في منصبه 21 يوما وقتل ماليوس وعاد الى قريته مرة اخرى.

كان مصطفى كمال (1881 1938) قائدا عسكريا تركيا، وأول من هزم جيشا غربيا في معركة على غليبولي في الحرب العالمية الاولى. وقد عارض الحكم العثماني وانتُخب أول رئيس للجمهورية التركية وتولى عمله 15 سنة كان فيها ديكتاتورا مستنيرا قام بسلسلة تُدير الرأس من الاصلاحات في تركيا ولهذا حظي بلقب أتاتورك، أي (أبو الأتراك). ويلاحظ أثره في الأساس في حربه التي لا هوادة فيها للمتدينين، والمحرمات الثقيلة التي فرضها (تحريم إعفاء الشارب ولبس الطربوش وغير ذلك)، واستعمال الخط اللاتيني في اللغة التركية التي كانت تُكتب قبل ذلك بحروف عربية. وإن فرضه عدم التدين هو من العوامل في الموجة العكسية التي تحدث اليوم في تركيا.

يجب على السيسي أن يقرر الى أين يتجه، فاذا عاد الى حصر عنايته في عمله العسكري وترك مواقع القيادة لاختيار الشعب فيمكن أن يُتذكر بأنه أنقذ بلده من الغرق في أصولية دينية، وإن يكن ثمن ذلك خسائر غير قليلة، وبأنه مكّن من بدء فصل جديد. واذا بقي في موقع القائد وأغراه ان يصبح أب المصريين مع فرض قيم لا يريدها جزء كبير من الشعب المصري، فسيضطر الى أن يحكم بقبضة حديدية تمنع عنه تأييد الغرب المهم له.

المشكلة هي أنه لم يكن لسنسنتوس ورثة. والحقيقة هي أنه حينما نحتاج الى مثال على من يأتي لفترة وجيزة وينقذ شعبه ويعود الى ما كان يتعاطاه قبل ذلك نصل دائما الى هذا القنصل الديكتاتور المميز.

حرره: 
م . ع