الجار السيئ جيدٌ

بقلم: ناحوم برنياع
استضاف فندق "انتركونتننتال" الفخم الملاصق للكازينو في أريحا هذا الاسبوع (الماضي) مؤتمرا دوليا. واجتمع قادة شرطة اسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية معا ليتحدثوا في القانون والنظام. وجاء قادة شرطة من عدة مدن كبرى في الولايات المتحدة الى المؤتمر خاصة لبسط رعايتهم على المتباحثين. وذكرنا اللقاء بعدة معانٍ بالتفاوض الذي أخذ يُنسج بين حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية، فقد كان بمثابة عيّنة.
كان اللقاء في أريحا هو الثالث في سلسلة لقاءات بعد عمان وايلات، وبادرت اليه منظمة أميركية. وكانت نقطة الانطلاق أن الاسرائيليين والعرب لا يتفقون معا لأن بعضهم لا يعرف بعضا بقدر كاف. فاذا التقوا وتحادثوا فقط تحت جناحي أميركا الواسعين فان كل شيء سيصبح على ما يرام. وفي احيان كثيرة يكون عكس ذلك هو الصحيح: فأمنيو اسرائيل والفلسطينيون والاردنيون يُرتبون الامور بينهم بصورة ممتازة من وراء ظهر أميركا. ويعرف بعضهم بعضا بصورة جيدة فليس عدم المعرفة هو الذي يمنعهم التوقيع على اتفاقات.
"انظر ماذا يحدث"، قال لي عامل في معهد بحث جاء من واشنطن في هذا الاسبوع. "في مصر يذبح الجيش المواطنين، والادارة الأميركية غاضبة، ومن التي تُسرع الى واشنطن للتهدئة والمصالحة وضمان أن تستمر أميركا في دعم مصر؟ اسرائيل. فلو ان بن غوريون بُعث من قبره لجُن. إن اسرائيل هي جماعة الضغط من اجل الجيش المصري".
يبدو من الصحيح الى الآن، قلت له، ان طريقة رد نتنياهو على الأحداث في مصر وسوريا صحيحة. فقد نجح في ان يفرض الصمت على وزراء الحكومة. والتدخل العسكري الاسرائيلي يتصل بمصالح أمنية واضحة. وهو تدخل محدود ينجح في الحفاظ على قدر من الغموض. وإن سؤال كيف يُدفع بالديمقراطية قدما في مصر أو في سوريا يتجاوز مجال مصالح اسرائيل. وليس لاسرائيل برغم الصعوبة الاخلاقية وذكرى المحرقة خيار تدخل حينما يستعمل النظام في سوريا سلاحا كيميائيا موجها على المواطنين.
يتلقى الأميركيون رسائل مختلفة من اسرائيل تتعلق بالحرب في سوريا. يقول أحد مذهبين دعوهم يقتل بعضهم بعضا. فكلما طالت الحرب الاهلية كان ذلك أفضل. ويقول المذهب المضاد إنه يجب على الولايات المتحدة ان توسع مساعدة المتمردين العلمانيين بأمل أن يهزموا محور الاسد – ايران، وأن يُطرد المجاهدون في المرحلة الثانية ويتم انشاء في سوريا نظام علماني.
إن المسألة أوضح فيما يتعلق بمصر. إن منظومة من المصالح المشتركة تربط الآن الجيش المصري بالسعودية وعدد من دول الخليج وبالاردن والسلطة الفلسطينية واسرائيل، وتأتي السعودية بالمال الذي ينقذ مصر والاردن؛ وتأتي اسرائيل بتأثيرها في أميركا وحفظها للجبهة الداخلية الاردنية وللسلطة الفلسطينية من حماس ومنظمات الجهاد. وهي تنسق الامور مع الجيش المصري في سيناء.
يتم جزء من ذلك بتعاون مع الأميركيين وجزء من غيرهم. وفي الصراع بين المتطرفين الاسلاميين والطغاة والملوك في العالم العربي، لا شك في الجهة التي تميل اليها المصلحة الاسرائيلية الآن.
قلت لمُحدثي الأميركي إن وسائل الاعلام في البلاد في خمسينيات القرن الماضي لم تعتد ان تسمي جمال عبد الناصر "رئيس مصر" بل كانت تسميه "المستبد المصري". فقد كانت الديمقراطية في مصر تهم اسرائيل حينما كانت توجد حال حرب بين الدولتين فقط.
وهو ما يُعيدنا الى فندق الكازينو في أريحا. لا يوجد حاجز اسرائيل عند مدخل أريحا لكن لافتة حمراء تحظر على الاسرائيليين دخول المنطقة. واللافتة كاذبة: فقد بيّن رئيس الوزراء الفلسطيني فياض في مؤتمر أنابوليس ان الوضع الاقتصادي في الضفة في اسوأ حال. ويجب تمكين عرب اسرائيل من دخول مناطق السلطة الفلسطينية والقيام بمشتريات فيها واستُجيب طلبه. وعلى ذلك فان الفندق في أريحا مليء بعائلات عربية من الضفة والمثلث ولا حاجة الى تأشيرة عبور ولا يوجد تفتيش أمني. وبـ 750 شيقلا لليلة و2000 شيقل لاربع ليال في منتصف الاسبوع تحظى عائلة بعطلة خمسة نجوم. والكازينو مصون صيانة جيدة لكنه مغلق. "اذا سمحت اسرائيل بفتحه فسنفتحه في اليوم نفسه"، يقول أحد العاملين.
في قاعة الاجتماع يتباحث ضباط شرطة من الطرفين في فرض القانون في الشارع 60 وهو الشارع الذي يشق الضفة طولا من جنين الى جنوب جبل الخليل. ويفصل الضابط الاسرائيلي في الحديث عن قطع الشارع الاشكالية بحسب أسماء المستوطنات التي بُنيت على امتداده؛ ويفصل الضابط الفلسطيني الحديث بحسب أسماء القرى الفلسطينية. والحديث عن القطع نفسها. ويقول قائد منطقة شاي كوبي كوهين إن 11 شخصا قُتلوا في الشارع منذ بدء السنة، 4 اسرائيليين و7 فلسطينيين. "يجب التنسيق"، يقترح إيد ديفيس، وهو رجل كبير الجسم قائد لشرطة بوسطن. وهو يفصل في الحديث عن الطريقة التي تعمل بها الشرطة البلدية مقارنة بشرطة الدولة.
إن القائد العام للشرطة الفلسطينية، حازم عطا الله، مهذب. فهو لا يقول له إن الجيش الاسرائيلي يمنع الشرطة الفلسطينية من تطبيق القانون على قطع الشارع لأنه يخشى أن يطلق مستوطنون النار على شرطي فلسطيني يحاول أن يوقفهم. ولا تُذكر كلمة "احتلال". ولا كلمة "مستوطنون".
إن القائد العام للشرطة يوحنان دنينو ذو صلة جيدة بالقائد العام للشرطة الاردنية، المجالي، الذي أصبح بين عشية وضحاها وزير الامن الداخلي، وبالقائد العام للشرطة الفلسطينية. والشعور هو بأن الجميع الآن في قارب واحد والبحر هائج بهم هم الثلاثة وإن لم يتحدث أحد في هذه الموضوعات علنا.
وحينما يعلنون استراحة يخرج ضباط الشرطة الى البهو للتدخين. والتدخين محظور في اسرائيل لكنه جائز في فلسطين. ولهذا يستغل الضباط الاسرائيليون الرخصة حتى النهاية. لا يوجد سلام من هذا لكنه توجد لذة.
يديعوت أحرنوت