أعمال قوات الأمن أصبحت أمرا مُعتادا

بقلم: عميره هاس ـ قلندية
سار الأكثرون من مشيعي القتلى الثلاثة في قلندية أمس في صمت، من المسجد في الشارع الرئيس في مخيم اللاجئين الى المقبرة في طرفه الشرقي. وصرخ عدد منهم بصيحات ‘الانتقام’ و’الله أكبر’. وسار الرجال فقط نزولا في الأزقة الى مكان الدفن، واحتشد النساء والاولاد على جانبي الأزقة، وهناك ايضا من صعدوا على السطوح ونظروا الى السائرين من هناك.
قالت احدى المشاهدات وأصل عائلتها مثل القتيل روبين زايد ابن الرابعة والثلاثين، من القرية المهدمة رفيدية (وهي اليوم منطقة موديعين)، قالت لصحيفة ‘هآرتس′ في غضب: ‘لو دخل الجنود فقط المخيم في الليل، كما اعتادوا منذ نحو عام لا في الصباح حينما يخرج الناس للعمل ويستعد الاولاد للخروج للمدارس، لما وقع الضحايا الثلاث. منذ الصباح، وبعد أن توقف اطلاق النار فورا، أخذنا نجري بين عائلات القتلى والجرحى وأتينا لنعزي الأمهات أو الاولاد أو الاخوة الصغار. ما أصعب ذلك. جاء الجيش على عمد في الصباح لا في الليل، وجاء لكي يقتل’.
إن اعمال مداهمة عسكرية مشابهة، لاسباب مختلفة، هي شيء معتاد في الضفة الغربية، فقد سُجل في شهر آب/اغسطس، حتى يوم الاحد من هذا الاسبوع، 297 عملية مداهمة في أنحاء الضفة. وفي تموز/يوليو 364 منها 33 في محافظة رام الله و55 في جنين و74 في محافظة نابلس و77 في محافظة الخليل. وأُحصي منذ بدء السنة حتى نهاية يوليو 3268 عملية مداهمة قياسا بـ3536 عملية في الفترة نفسها من العام الماضي. وقد نُفذ في سنة 2012 كلها في الحاصل العام 6193 عملية مداهمة ولا يشمل ذلك غزة. وأُحصي في 2010 7190 عملية مداهمة. إن ما هو بالنسبة للجيش الاسرائيلي ولحرس الحدود ‘عمل عادي’ هو بالنسبة للفلسطينيين تذكير اسرائيلي قوي بمن هو الحاكم.
بمعدل ليلي يبلغ عشرة تذكيرات الى عشرين: وهو روتين لا يكف عن إثارة الغضب وإن لم تعبر عنه مواجهات.
في الاول من يوليو قُتل باطلاق النار على ظهره شاب في قرية دورة في مواجهة تمت في عملية مداهمة مشابهة، وفي التاسع عشر من اغسطس قُتل شاب آخر في مخيم اللاجئين جنين. وقد ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية اعمال المداهمة تلك بسبب القتلى. وحينما لا يوجد قتلى أو جرحى لا تذكر حتى وسائل الاعلام الفلسطينية معلومات عن وقوع عمليات المداهمة التي لا تكون دائما من اجل اعتقالات. تدخل سيارة جيب أو اثنتان وسيارة اسعاف عسكرية تحت جنح الليل الى حي سكني في مدينة أو قرية ما، ويكون ذلك احيانا مجرد ‘جولة’ لاظهار القوة، توقظ عددا من الاشخاص وتخيف الاولاد وتُعجل نبضات القلب، ويُطوق الجنود احيانا بيتا، ويقرعون الباب بقوة كي يوقفوا احيانا من فيه أو لمجرد اجراء تفتيش. وهناك من يطلبون الى السكان جميعا أن يخرجوا، وهناك من يكتفون باستدعاء شخص واحد واعتقاله، ويُداهمون احيانا مكاتب مع كسر الأبواب ويُصادرون حواسيب ووثائق مختلفة.
ينشر هذا الاحصاء الروتيني في كل يوم وفي كل شهر فريق المتابعة في قسم شؤون التفاوض التابع لـ (م.ت.ف) الذي يرأسه الدكتور صائب عريقات. ويعتمد التقرير على معطيات تجمعها اجهزة أمن السلطة الفلسطينية. حينما تكون اعمال المداهمة العسكرية في المنطقة أ التي تنتشر فيها قوات فلسطينية رسمية مسلحة يُبلغها الجيش الاسرائيلي مسبقا قبل الدخول بوقت قصير كما يبدو. وهناك فلسطينيون يرتابون ويتهمون اجهزة الامن بأنها تعرف هوية المعتقلين وهدف عملية المداهمة، ويؤكد رجال الاجهزة أنهم لا يعلمون.
إن القوة التي داهمت قلندية أمس قبل الساعة السادسة صباحا بقليل ما كان يجب أن تُبلغ الفلسطينيين بنية اعتقال يوسف الخطيب ابن الثالثة والعشرين لأن أكثر مخيم قلندية يُعرف بأنه ‘المنطقة ج’ التي تقع تحت سيطرة اسرائيلية أمنية كاملة، وهناك شريط ضيق منه يقع ضمن المنطقة البلدية للقدس. وقد جاء الجنود في الشهرين الاخيرين اربع مرات الى بيت الخطيب لاعتقاله ولم يجدوه. ويكفي ذلك ليُعرف بأنه ‘مطلوب’. ويفترضون في محيطه أنه كان مطلوبا بسبب اعمال كرشق الحجارة. وقد أُفرج عن الخطيب بصفقة شاليط بعد تسع سنوات سجن، وكان في الثالثة عشرة حينما اعتُقل أول مرة.
وقت الجنازة ظهر في أزقة المخيم عدد من الجماعات الملثمين المسلحين. كان عدد منهم يلبسون ملابس عسكرية مُنمرة، وكان آخرون يلبسون سراويل لونها زيتي عسكري وقمصان تريكو. وكان آخرون يلبسون ملابس سوداء، وقد رفعوا أسلحتهم الى أعلى وأطلقوا رشقات كثيرة، وصاح عدد من الواقفين في الشارع بالنساء على السطوح ليبتعدن ويدخلن البيوت كي لا يصيبهن الرصاص. ‘إن هذا هو التعبير عن الغضب، ومن المعتاد عندنا ايضا اطلاق 27 طلقة تكريما لكل شهيد’، قالت المرأة التي أصلها من قرية رفيدية. وأضاف شاب يعمل في النظافة في المخيم أصله من قرية ساريس (هي شورش اليوم) مثل عائلة القتيل يونس الجحجوح أضاف قائلا: ‘إنهم يطلقون النار في الهواء فقط. من اجل الدواوين، قد يكونون من فتح أو من اجهزة أمن السلطة’.
كان من خارج سيارة الجيب التي نُقل فيها ‘الخطيب’ المعتقل دورية مشاة للقوات الاسرائيلية، كما قال السكان. وحينما تقدم أفراد القوة وكانوا يلبسون ملابس سوداء وربما كانوا يلبسون ملابس مدنية نحو الشارع الرئيس كانت الساعة قد أصبحت السابعة إلا ربعا في الصباح. وأحاط بهم شباب غاضبون بدأوا يرشقونهم بالحجارة والعصي.
وبدأ أفراد القوة يطلقون النار في كل اتجاه، وكان أول من قُتل روبين زايد ابن الرابعة والثلاثين وهو أب لاربعة اولاد كان في طريقه الى عمله في مكتب وكالة الغوث. وجُرح ايضا عدد من المارة الآخرين. وتحدث شهود عيان الى إياد حداد من ‘بتسيلم’ عن أنه ظهرت آنذاك اربع سيارات جيب عسكرية وهوجمت بكل ما كان في متناول اليد الحجارة وصحون الاقمار الصناعية والأثاث. ويبدو ان شخصا ما أشعل غطاءً أو قطعة أثاث من الخشب ورمى بها على احدى سيارات الجيب، فبدأ الجنود في داخلها يطلقون النار هم ايضا. ويبدو ان الجحجوج والقتيل الثالث جهاد أسلان وأصل عائلته من يافا قد شاركا في مواجهة الجنود وأُطلقت النار عليهما حينما كانا على السطح.
دُفن الثلاثة متجاورين. وبعد أن انفض آلاف المشيعين ومنهم قادة كبار من فتح بقي عدد من الشباب حول القبور الجديدة ونظروا وهم يجهشون بالبكاء صامتين الى أكاليل الزهور. وظهرت من الشمال الشرقي أحياء مستوطنة كوخاف يعقوب. ومن الجنوب، من قبل حاجز قلندية والسور وهما ‘نهاية العالم’ بالنسبة لسكان المخيم، ظهرت سحب سوداء لاطارات محروقة.