الخطأ الذي قد يكلّف الأسد حياته السياسية

بقلم: د. عوديد عيران

لا يريد الرئيس الأميركي، باراك اوباما، ان يهاجم في سورية. لديه أحاسيس سياسية حادة، كما أن دماء مائة الف سوري قتلوا حتى الان لم تضطره أن يأمر الجيش الأميركي بالعمل في سورية.

وضغط وزير الخارجية، جون كيري، هو الآخر وشيوخ أميركيون ايضا لم تزحه عن رأيه. من سيحظى بالحظوة على النجاح في اقناع اوباما هو بشار الأسد.

من الصعب فهم الأسد الذي نجح في البقاء ثلاثين شهرا في المواجهة مع الثوار، يرتكب الخطأ الذي قد يكلفه فقدان حكمه، بل وربما أكثر من ذلك. لقد أخطأ صدام حسين مرة واحدة أكثر مما ينبغي حين اجتاح الكويت، ولم يقرأ الخريطة الدولية على نحو سليم. ارتكب مبارك خطأ واحدا اكثر مما ينبغي حين خنق المعارضة في انتخابات 2010 وحاول تتويج ابنه خلفاً له. الاسد فعل هذا الان حين لم يفهم الساحة الدولية.

قد سلمت هذه بذبح مائة الف سوري بوسائل تقليدية، ولكنها لا يمكنها أن تسلم بقتل 1500 شخص بسلاح كيميائي. والاسد، بقدر ما يتضح من الأدلة المتراكمة، ارتكب خطأ واحدا يغير الوضع من "محتمل" الى "متعذر".

لا تزال أميركا تعاني من صدمة الحروب المضرجة بالدماء، في افغانستان والعراق. وحتى صدمة فيتنام لم ينفد مفعولها. اوباما يعرف هذا. وهو يقرأ استطلاعات الرأي العام، ويفهم ان ربع المستطلعين فقط يؤيدون عملية عسكرية أميركية. وهو يعرف انه لم تعد هناك حروب "خفيفة" تنتهي "بضربة واحدة ونعود الى الديار".

يمكن لاوباما أن يأمر بعملية ذات هدف واحد وواضح – تدمير مخزونات السلاح غير التقليدية التي لدى سورية. هذا هدف سيبدو شرعياً حتى في نظر الدول العربية وان لم تعرب جميعها عن موافقة علنية. وبشكل مفعم بالمفارقة للأسد أيضا، إذا فهم بأنه محكوم عليه ان يتلقى رد فعل ما، فان هناك مصلحة في ان يحصر هذا الرد بهذا السلاح فقط، والا يضرب الجيش وقدرته العسكرية الأساس. وهكذا يستنفد، على الاقل لفترة طويلة، مطلب العمل ضد نظام الاسد او الفرض الاكراهي للقيود على قدرة جيشه الموالي له بالعمل ضد المعارضة. كل ما عليه ان يفعله، اذا ما فهم بالفعل بأن هذا هو خط العمل الأميركي، هو ان يأمر جيشه بألا يرد.

كل عملية عسكرية تخرج عن تدمير مخزونات السلاح غير التقليدي من شأنها ان تجر ردود فعل سورية ضد اهداف أميركية في مدى السلاح الذي لدى السوريين.

والتشويش في خط العمل المذكور من شأنه أن يجر اسرائيل ايضا الى المواجهة بسبب تفكير مغلوط – مثلما حصل في العام 1991، عندما أطلق العراق صواريخ سكاد نحو اسرائيل. يحتمل أن يكون هذا هو التخوف الأكبر لدى أوباما، الذي يفهم بأن عملية لا توجد خلفها نية بحسم نتيجة الصراع الداخلي في سورية، من شأنها أن تتطور الى مواجهة تخرج عن نطاق السيطرة.

لو كان الامر بتحكمه، لرغب اوباما في ان يستخدم النموذج الذي طورته اسرائيل في علاقاتها مع النظام السوري. ففي اطار "قواعد اللعب" ردت اسرائيل، حسب منشورات أجنبية، كلما اجتازت سورية "خط احمر"، حتى وان لم يتحدد هذا الخط بشكل دقيق من قبل. واستوعبت سورية هذا الرد انطلاقا من الفهم بان مصلحتها العليا تملي عليها تقليص الأضرار.

في وضع الأمور الحالي توجد بالطبع آثار على استمرار معالجة البرنامج النووي الايراني. ولما كان الايرانيون ايضا يفهمون هذا فانهم سيضغطون على سورية الا تسمح للولايات المتحدة وشركائها "بالخروج بثمن زهيد" من عملية عسكرية ضيقة. ولروسيا ايضا لا توجد مصلحة للسماح بانتصار أميركي سهل.

وكما أسلفنا: من السهل الدخول الى عملية عسكرية، ولكن من الصعب جدا التخطيط الدقيق لانهائها. حتى اننا لم نبحث في نجاح "كبير" معناه إسقاط الأسد عن الحكم في دمشق.