النظام القديم لا يزال يحكم العالم الجديد

بقلم: بوعز بسموت

يعلم براك اوباما، ربما أكثر من كل زعيم آخر، كم يتغير عالمنا وبأي إيقاع سريع. بل إن هذا قد أسهم من جهة شخصية في قفزته السياسية الهائلة، حيث انتقل في غضون أقل من اربع سنوات من موقع سناتور ولاية إلينوي الى منصب رئيس الولايات المتحدة.

لم يعد اوباما هاويا سياسيا، وهو بعيد عن أن يكون ساذجا. وهو يفهم جيدا أن العالم الجديد الذي نحيا فيه قد دفع به قدما الى البيت الابيض، بل قصّر وقت الانتظار، وكان اوباما يرجو أن ينشئ العالم الجديد المخاط بحسب أبعاد جسمه نظاما جديدا ايضا يكون مناسبا لنظريته. وكان مستعدا لأن يضحي بشيء من قوة القوة العظمى كي يوجد عالم أفضل نكون فيه جميعا إخوة.

بيد أن الواقع مختلف بل قاسٍ. إن اوباما، الذي حاول أن يتهرب من المسؤولية اثناء "الربيع العربي" (وخسر مصر)، يضطر اليوم الى أن يواجه في سورية خلافا ايديولوجيا داخليا: أيما أهم لاوباما – الامتناع عن مواجهة عسكرية أم إغماض العينين والاسد يستعمل السلاح الكيميائي؟.

استيقظ اوباما من الحلم الحلو الذي كان غارقا فيه، وتبين له أن النظام في عالمنا الجديد هو نفس النظام القديم، وأنه يوجد أخيار وأشرار. وتبين لأوباما ايضا أن لأميركا منافسات كثيرات لن تخفف عنها (روسيا والصين واندونيسيا والبرازيل والهند)، وتبين له أيضا أن روسيا هي الاتحاد السوفييتي نفسه، وأن العالم العربي ايضا منقسم كما كان دائماً، وسيوجد في العالم دائما زعيم سادي لا يُحجم عن فعل أي شيء كي يبقى.

إن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أيضا في هذه الأيام في مسار استيقاظ يشبه ما عند رئيسه. فهو الذي عاد من فيتنام معارضاً كبيراً للحرب أصبح اليوم أكبر مدافع عن الهجوم.

غير أن أكبر مشكلة اوباما وكيري هي بالضبط ذلك العالم المتغير الذي مهد لهما الطريق الى القمة، لكنه يرفض الاصغاء إليهما، وفيه دول كبريطانيا والمانيا اللتان تصدر عنهما كلمات لا تعبّر عن السلام.

تشير استطلاعات الرأي في العالم اشارة واضحة الى عدم رغبة سافر في تأييد أية فكرة تدخل عسكري في سورية. وكشف استطلاع للرأي قام به معهد بحث الماني جدي تم في الولايات المتحدة وفي عشر دول من دول الاتحاد الاوروبي عن أن 75 في المائة يعارضون الهجوم. وفي الولايات المتحدة يؤيد 19 في المائة من الأميركيين فقط الهجوم بحسب شبكة "إي.بي.سي" ، ويوجد العدد ذاته بالضبط في بريطانيا. بل إن 72 في المائة في تركيا يعارضون برغم دعم اردوغان للهجوم. وفي فرنسا يتفق 36 في المائة فقط مع أولاند الذي يؤيد اوباما. ما لنا وللأولاد الذين يموتون في سورية، تقول استطلاعات الرأي... فليس من العجب أن ينقل اوباما في هذا الواقع حبة البطاطا الساخنة الى مجلس النواب الأميركي.

إن أم المسائل اليوم هي ماذا سيفعل اوباما اذا لم يوافق مجلس النواب، كما فعل البرلمان البريطاني بكاميرون في الشهر الماضي، في خطوة تاريخية هي الاولى منذ القرن الثامن عشر. لا شك في أن الرئيس الأميركي خاطر مخاطرة كبيرة، وذلك في الأساس بعد أن لم ينجح في أن ينشئ لنفسه تحالفا حتى لو كان يوجد تأييد إسلامي مهم له من العربية السعودية وقطر وتركيا.

تواجه اوباما ثلاثة سيناريوهات ممكنة، وهي أن يمنحه مجلس النواب ضوءاً أخضر ويخرج الرئيس لعملية مع شرعية من منتخبي الشعب. والسيناريو الثاني أن يقول له الكونغرس لا وأن تنفذ الادارة هجوما يختار فيه أوباما مثل بوش في العراق "الخروج للحرب" دون "اعلان حرب". وآخر شيء يريده اوباما أن يوجد أي شبه بسلفه. لكن يوجد واقع ويوجد نظام قديم ايضا. وهناك احتمال ثالث وهو أن يقول مجلس النواب لا وترجع الادارة عن أية فكرة للهجوم. وهذا السيناريو هو كابوس لتراث اوباما والثقة بواشنطن والعالم بعامة. وسيسجل بوتين لنفسه انجازا أول جديا في الحرب الباردة المجددة بعد أن انتصر ريغان في الجولة السابقة، فضلا عن الاحتفالات في دمشق وطهران.

"لا يدور الحديث عن العراق أو افغانستان بل ولا عن ليبيا أو كوسوفو. إنها لحظة ميونيخ بالنسبة إلينا"، قال كيري، أول من أمس، حين تطرق بالطبع الى اتفاقات ميونيخ التي لم تزد العالم الحر شرفا، كما في استطلاعات الرأي في الايام الاخيرة بالضبط.

حرره: 
م . ع