الرجل الذي سيصوغ مصيرنا

بقلم: آري شافيت

قبل أن يكون رئيسا للحكومة كان بنيامين نتنياهو ما كان. عند إبرام اتفاقيات أوسلو العام 1993 وعم السلام البلد ـ قبل عشرين عاما - بدا واضحا للجميع أن نتنياهو صار تاريخا. انتهى. صار مشطوبا. وعندما اغتيل اسحق رابين عرف الجميع أن نتنياهو ميت سياسي يتحرك. محطم، عديم الأمل.

وفي النصف الأول من التسعينيات بدا هذا الكائن الفضائي الاميركي الغريب الذي ليس منا كعميل أجنبي وكوكيل مبيعات وعميل لقوى الشر التي سترفضها هذه البلاد بالمطلق. كان بيريز وحزب العمل أفضل منه ومن أمراء الليكود والكل يطلب السلام. وكانت النخب السياسية والثقافية في المجتمع واثقة بأن نتنياهو رجل الماضي وعديم المستقبل. رجل الأمس. رجل القرن التاسع عشر. نتنياهو لن يكون أبدا زعيما حقيقيا لإسرائيل.

وعندما غدا نتنياهو رئيسا للحكومة أول مرة العام 1996، تبين كم كان هؤلاء محقين. لا شيء عنده عمل كما ينبغي ولا بدا كما ينبغي والدولة صارت دوامة. رئيس الأركان ألمح إلى أن رئيس الحكومة يشكل خطرا على الدولة ورئيس الشاباك ظن أن رئاسة الحكومة شاغرة والإعلام تحدث مرارا عن رئيس حكومة الفراغ. لم تكن هناك شكوك: السلام الكبير مع عرفات يتأخر فقط لأن بائع الأثاث سيطر عن طريق الخداع على قدس الأقداس. وكان واضحا للجميع أن رئيس الحكومة هو خطأ واجب الإصلاح. لذلك تبلور في العام 1999 ائتلاف النخب (الاقتصادية، الأمنية، الإعلامية والقضائية) التي أفلحت في طرد نتنياهو من الحكم بطرق مختلفة. حينها عرف الجميع أنه منته. ونتنياهو لن يصير أبدا زعيما إسرائيليا حقيقيا.

وعندما صار نتنياهو رئيس حكومة للمرة الثانية، العام 2009، عرف الجميع أنه موقت. فقد سكن البيت الأبيض باراك أوباما وانتقلت لمقر رئاسة الحكومة سارة نتنياهو. وساد الرأي بأنه ليس لنتنياهو فرصة بين أوباما وسارة. وسيجهد نتنياهو حتى الموت بين رام عمانويل وتسيبي حوتبولي. والائتلاف الفاسد الذي بلوره مع إيهود باراك لن يكمل العام. وأن نتنياهو سيسقط فعلا. وخلال ستة إلى تسعة شهور ستسقط الحكومة وستعود تسيبي ليفني لرئاسة الحكومة لتطهيرها من الشخص الذي دنسها بوجوده. صحيح أن نتنياهو خدعنا مرة، وخدعنا ثانية، ولكن يستحيل خداع كل الناس طوال الوقت. فالخطأ يظل خطأ والخطأ واجب الإصلاح. ببساطة لن يصير نتنياهو زعيما حقيقيا لإسرائيل.

وها رأس سنة جديد يحل. وللمرة الثامنة يحل رأس السنة العبرية ورئيس الحكومة هو نفسه: بنيامين نتنياهو. بيريز صار متقاعدا، وحزب العمل تشرذم. وأمراء الليكود تلاشوا تحت شمس السياسة الإسرائيلية الحارقة. ولا وجود لجيل السلام. ولكن الكائن الفضائي الأميركي نفسه موجود. وكيل المبيعات يسيطر. والرجل الذي كان خطرا على الدولة صار الدولة. واللارجل في غرفة آخر الدهليز هو الرجل الذي يجلس في غرفة آخر الدهليز. وهكذا يصعب مواصلة القول انه كان رجل الفراغ. يصعب مواصلة القول انه كان خطأ. كما يبدو ثمة شيء ما في نتنياهو. فيه الكثير من العيوب والندوب، لكن فيه شيئا آخر. مضروب، لكن رأسه أعلى من كل خصومه. لا زعيم، لكنه شبه الزعيم الوحيد.

ولا ريب في أن نتنياهو هو رجل العام المقبل. خيرا أو شرا، سلما أو حربا، نجاة أم غرقا، نتنياهو هو الرجل الذي سيصوغ مصيرنا في العام المقبل. نتنياهو سيفعل ذلك لأنه رئيس الحكومة في فترة عليه أن يتخذ على الأقل في كل شهر قرارا يمكنه تغيير الواقع هنا من النقيض إلى النقيض. نتنياهو سيفعل ذلك لأن بين صناع القرار في المجلس الوزاري المصغر فقط هو ووزير الدفاع (وجزئيا وزيرة العدل) جديرون باتخاذ قرارات مصيرية. نتنياهو سيفعل ذلك لأنه هو الشخص الوحيد المتوفر.

وإسرائيل المتنورة لم تضع قبالته في الجيل الأخير أي خصم ذي ثقل يكون زعيما بديلا. إسرائيل المعتدلة لم تبرز من داخلها أي شخص يستحق رئاسة الحكومة. والفشل السياسي المطلق لمعارضي وكارهي نتنياهو ترك نتنياهو كلاعب وحيد في الحلبة. ورغم كل مساوئه وكل أخطائه فإن نتنياهو هو الطيار الوحيد في قمرة القيادة. وبإخفاقاتها فإن النخب الاقتصادية والسياسية والأمنية جعلت نتنياهو رجل العام مرة وثلاث مرات وتسع مرات. فتخاذلها المتواصل جعل نتنياهو زعيم العقد.

لكن العام المقبل سيختلف عن كل أعوام نتنياهو في الحكم. سببان لذلك: يفترض أن تصل اللعبة السياسية لنتنياهو في العام المقبل إلى النهاية وستصل لعبة نتنياهو ـ إيران إلى نهايتها.

جون كيري لا يخادع. عندما يقول تسعة شهور فهو يقصد تسعة شهور. والأميركيون والفلسطينيون لا وقت لهم والشرق الأوسط على النقرة. لذلك فإن لحظة الحقيقة ستحين. وخلال السنة العبرية التي تبدأ الليلة سيضطر نتنياهو لكشف أوراقه وكشف وجهه وتقرير ما سيفعل. وإذا أفلح في إحداث تغيير جوهري يقرب إسرائيل من تقسيم البلاد، فإنه سيكون نتنياهو آخر. سوف يخسر اليمين ويحتل الوسط ويعيد ترسيم نفسه من جديد كزعيم صنع التاريخ بالمعنى الإيجابي للكلمة. ولكن إذا لم يُخرج شيئا من كيسه فإن الكيس سيبهت. والقدرة على القفز عن كل البنود والرقص في كل الأعراس ستنتهي. بل ان الآمال الحذرة ستختفي أيضا. وسيثبت نتنياهو أنه ما يصفه منتقدوه: وهم، تضليل، وخداع. إنه سياسي يميني متطرف جدا ومتصلب جدا يخدع الناس بمشاهد اعتدال.

كما أن ديفيد أولبرايت لا يخدع. وأولبرايت هو الخبير العالمي الأبرز للشؤون النووية الإيرانية الذي لا يعمل لمصلحة أي حكومة. وأولبرايت يزعم أن القصة انتهت. وهذه المرة الوقت انتهى حقا. حتى نهاية 2014 ستجتاز إيران الخط الأسود الذي يعبر الخطوط الحمراء وستكون ذات قدرة على امتلاك الذرة من دون أن تستطيع إسرائيل أو الغرب كبحها. صحيح: سبق وسمعنا تكهنات كهذه مرارا. كانت صرخة «الذئب الذئب» العام 2008 و2010 و2012. ولكن معظم الإسرائيليين لم ينتبهوا لواقع أن هذه ذئاب حقيقية. معظم الإسرائيليين لا يدركون أن إسرائيل خسرت في معظم معاركها ضد الذئاب. لذلك فإن ذئب العام المقبل له أنياب حادة جدا. وهو سيواجه منذري الذئاب بشكل لم يسبق له مثيل.

وهناك احتمالات كبيرة أن تبلغ الدراما الإيرانية في العام العبري الجديد ذرى جديدة. وهذه المرة ستكون الأمور أهدأ. وظاهريا ستكون السماء صافية. لكن في الشهور القريبة سيلتقي بنيامين نتنياهو وجها لوجه مع مهمة حياته. رئيس الحكومة يواجه مصيره. لا أحد يعلم كيف سيتصرف. ومشكوك في أن يكون هو يعلم ذلك. لكن أيا يكن الحال، ستصل لعبة نتنياهو الإيرانية المعروفة إلى نهايتها. سواء بالتسليم أو المجابهة فإن ما كان لن يكون.

ويجدر بكم الاسترخاء في الأريكة، أيها الأصدقاء. يجدر بكم أخذ قطعة تفاح في يد، أيها الأصدقاء والصديقات. وأن تتركوا على الطاولة وعاء عميقا به كثير من العسل. وعندما تتفجر سوريا شمالا وتتقلب مصر جنوبا وحينما يتبدد الشرق الأوسط أمام عيوننا، فإن الكل يوشك أن يكون جديدا. وعندما تمتلك إيران الذرة في الشرق ويتبدد حلف شمال الأطلسي في الغرب، فإن الكل موضوع في الكفة. إسرائيل قوية جدا. وبمعان كثيرة إسرائيل أقوى من أي وقت. لكن العالم مجنون والواقع خرج عن طوره. وداخل كل هذه الضجة فقط شخص واحد يقف على الجسر. شخص واحد سيحدد وجهة هبوب العاصفة. تمنوا له النجاح، أيها الأصدقاء والصديقات. أنتم أيضا لا تزالون تكرهون بنيامين نتنياهو، لا خيار أمامكم سوى الدعاء بأن يتصرف في العام المقبل بحكمة.

حرره: 
م . ع