لولا "أوسلو" لعاشت إسرائيل في كارثة

بقلم: دوف فايسغلاس*
مرت الذكرى السنوية العشرون لاتفاق اوسلو دون نقاش عام حقيقي. ويبدو ايضا أن مهندسي الاتفاق وأولئك الذين يعرفون أهميته يُقللون من ذكره حذراً من سمعته السيئة. إن لاتفاقات اوسلو جوانب جوهرية كثيرة تستحق الذكر، منها الغاء حدود "خطة التقسيم" بالفعل واعتراف فلسطيني بدولة اسرائيل في حدود 1967. لكنني لا أريد أن أتناول هذه الامور بل أريد أن أتناول سؤالاً عملياً وهو: أين كانت ستوجد اسرائيل دون اتفاقات اوسلو؟.
إن خلاصة اتفاقات اوسلو وباريس هي إنشاء ادارة فلسطينية مستقلة تشبه دولة تحكم أكثر السكان الفلسطينيين في مناطق "يهودا" و"السامرة" وانشاء علاقات اقتصادية وادارية مع إسرائيل. وتحملت السلطة الفلسطينية مسؤولية مطلقة عن ادارة الحياة المدنية في المناطق التي تخضع لسلطتها (بما فيها نحو مليوني فلسطيني): الاعمال الشرطية والأمن الداخلي والقضاء والصحة والتربية والاقتصاد والنقل العام والاتصالات وتطوير البنى التحتية والبناء والتزويد بالماء والكهرباء وغير ذلك. ومن الصعب على السلطة منذ أن أُسست أن تؤدي عملها، فلا يوجد لديها مال: فالاقتصاد غير متطور بقدر كاف؛ وجباية الضرائب قليلة وجزئية، ولا توجد إيرادات من مصادر ذاتية اخرى، ويغلب مع كل ذلك الاسراف وعدم النجاعة. فأصبحت النتيجة عجزا أخذ يتراكم بمقادير ضخمة، فلولا الدعم المالي من دول العالم لانهارت السلطة الفلسطينية.
وقد اشتهت هذه الازمة نفوس "رافضي اوسلو". فقد فكروا في سريرتهم أن ارادتهم قد تمت: فلا توجد "اوسلو" ولا سلطة فلسطينية، ودولة اسرائيل تُدير بصورة مباشرة حياة الفلسطينيين في "يهودا" و"السامرة". واسرائيل تستعمل عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين الذين يعملون في الحياة العامة، وتستعمل مدارس وعيادات طبية ومستشفيات ومراكز شرطة وسجونا؛ وتُعبد شوارع وتمد أنابيب ماء وخطوط كهرباء واتصالات؛ وتقيم اجهزة مساعدة ورفاه. ويطارد رجال شرطة اسرائيل لصوصا في قصبات مخيمات اللاجئين.
وكيف تفعل اسرائيل ذلك؟ من أين تأتي الحكومة بالأموال وبالقوة البشرية المطلوبة لإدارة حياة نحو مليوني انسان آخرين؟ وليسوا "مجرد" أناس بل هم سكان "ضعفاء"، يحتاجون الى دعم كبير وإلى خدمات حكومية معززة، لكنهم لا يستطيعون دفع ثمنها. وإن قدرة إسرائيل على أن تجبي ضرائب من الفلسطينيين تقترب من الصفر؛ فكل شيء سيدفعه مواطنو اسرائيل وعلى حساب فقراء اسرائيل.
وستتوقف ايضا القروض والهبات بمبالغ ضخمة التي منحتها دول العالم للسلطة الفلسطينية وعدّلت ميزانيتها العامة لأنه يصعب أن نفترض أن توافق الدول المانحة على النفقة على الاحتلال الاسرائيلي مباشرة. فستكون كلفة ادارة حياة الفلسطينيين في "المناطق" بحسب الميزانية الاسرائيلية نفقة "خالصة"، أي نفقة لا يوجد الى جانبها أي دخل، وستكون هذه كارثة على إسرائيل.
ينبغي ألا نضل في الأوهام: إن ايام ما قبل "اوسلو" حينما كانت اسرائيل تكتفي بادارة قليلة وأساسية فقط للحياة المدنية في "يهودا" و"السامرة" قد انقضت. وسيراقب العالم كله الآن متجهم الوجه ما تفعله اسرائيل هناك. وسيُطلب الى اسرائيل أن تُدير "المناطق" ادارة تضمن "شروط عيش مناسبة" للسكان، وستجد نفسها مُرغمة على أن تفي بكل ما أخلّت به السلطة الفلسطينية. إن تقصيرات السلطة الفلسطينية في إدارة الحياة هي مسألة فلسطينية داخلية. وتقصيرات اسرائيل الادارية في "المناطق" ستُعرف بأنها نقض لقواعد القانون الدولي، أو كما قال لي خبير قريب من هذا الشأن: "ستكون كل حفرة في شارع موضوعا للجنة تحقيق دولية".
إن صيغة "اوسلو تُجنب" اسرائيل العبء الاقتصادي الفظيع المقرون بالسيطرة على حياة الفلسطينيين اليومية، وهي سيطرة قد تزيد في حدة الازمة مع دول العالم في كل ما يتعلق بـ "يهودا" و"السامرة". فـ "اوسلو" من هذا الجانب على الأقل هي نجاح عظيم.